01/04/2019
بينما كان القادة العرب يتبادلون الخطب في قمتهم الثلاثين كانت أقدام الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو تطأ إسرائيل لأول مرة في تاريخه، وذلك ضمن تحول كبير في السياسة البرازيلية التي ظلت لعقود منحازة إلى القضية الفلسطينية.
ورغم أن تصريحات سابقة توقعت أن البرازيل ستنقل سفارتها إلى القدس بالتزامن مع زيارة رئيسها إلى إسرائيل فقد اكتفت في الأخير بافتتاح مكتب تجاري في المدينة المحتلة، فهل يمثل الأمر تراجعا نهائيا عن الخطوة أو مجرد تأجيل لها؟
وسائل إعلام إسرائيلية رجحت أن افتتاح المكتب التجاري في القدس يمثل خطوة تمهيدية لنقل سفارتها إلى هناك، ورأت أن ذلك يؤكد عمق التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، والبعد الإستراتيجي للعلاقات بين برازيليا وتل أبيب.
وألمحت مصادر دبلوماسية إسرائيلية إلى أن إعلان وزارة الخارجية الرازيلية عن افتتاح المكتب بالتزامن مع اللقاء المشترك الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو في القدس المحتلة هو وجه آخر لما كان مرتقبا من إعلان بولسونارو عن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس خلال زيارته لإسرائيل، علما أن المكتب الذي سيكون جزءا من سفارة البرازيل سينشط في تعزيز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والاستثمار والتكنولوجيا والابتكار بين الطرفين.
التهديدات العربية
وأفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو بأن مسألة نقل السفارة البرازيلية للقدس نوقشت قبل أيام في اتصال هاتفي بين نتنياهو وبولسونارو الذي كشف عن التحفظ الشديد الذي تبديه المعارضة في البرازيل على هذه الخطوة والضغوط التي مورست عليه من أطراف عربية.
وأوضحت الصحيفة أن ذلك يمثل مصدر القلق الرئيسي لبولسونارو خشية تنفيذ الدول العربية تهديدها بتقليص شراء اللحوم من البرازيل، وهي الخطوة التي قد تضرب الاقتصاد البرازيلي وتفقده مليارات الدولارات كل عام.
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى مقربة من نتنياهو أن "إسرائيل مقتنعة بأن تهديد الدول العربية فارغ من أي معنى، وكما لم تتضرر الولايات المتحدة وغواتيمالا من نقل سفارتيهما إلى القدس فإن البرازيل لن تتضرر كذلك".
تعويض الأضرار
وأضاف المصدر أن "الحكومة البرازيلية الجديدة منزعجة من الأضرار الاقتصادية المتوقعة جراء خطوة من هذا القبيل، وتريد من إسرائيل أن تساعد في تعويض الأضرار التي لحقت بالاقتصاد البرازيلي عن طريق التسهيلات الاقتصادية من إدارة ترامب".
وذكرت أن عضو الكونغرس إدواردو بولسونارو -وهو نجل الرئيس البرازيلي- زار مؤخرا الولايات المتحدة وطلب من الإدارة تخفيض الضريبة الأميركية على صادرات الألمنيوم البرازيلية إلى أميركا، إذ يعتبر بولسونارو الابن مهندس التقارب مع إسرائيل ويقود عملية نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة.
وفي محادثات مع الأميركيين، قال بولسونارو الابن إن تخفيض الضريبة على الألمنيوم البرازيلي سيزيد المبيعات في الولايات المتحدة، وسيعوض عن خسارة الدخل من صادرات اللحوم إلى العالم العربي إذا تعرضت البرازيل لعقوبات ومقاطعات جراء نقل السفارة إلى القدس.
زيارة محرجة
ولم تنج زيارة بولسونارو لإسرائيل وافتتاح مكتب تجاري في القدس من لغط داخل وخارج البرازيل، فقد وجه المتابع لقضايا اليهود في أميركا اللاتينية سيباستيان كلور انتقادات شديدة اللهجة لزيارة الرئيس البرازيلي إلى إسرائيل، واصفا الزيارة بـ"المحرجة".
وأشار إلى أن السياسة الإسرائيلية لا تميز بين الخير والشر، ولا تتردد بالتواصل مع شخصيات من أقصى اليمين، مضيفا أنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ في البداية أنه كان هناك حديث عن نقل سفارة البرازيل إلى القدس، لكن بولسونارو استبدل ذلك بالإعلان عن افتتاح مركز تجاري في القدس، وليس سفارة.
وأوضح كلور في مقال بصحيفة معاريف أنه بشكل تقليدي فإن السياسة الخارجية للبرازيل تجاه إسرائيل لم تكن معادية ولا مؤيدة، وأن عدم إعلان بولسونارو نقل سفارة بلاده للقدس يدل على أنه محدود في تصرفاته.
وشدد على أن الهدف الحقيقي من الزيارة اقتصادي بحت، حيث تعتمد إسرائيل سياسة اقتصادية مثمرة للغاية في أميركا اللاتينية عموما وفي البرازيل خصوصا، ولا سيما في مجال الأمن الداخلي وبيع الأسلحة.
التبادل التجاري
ورغم الرمزية السياسية التي يمثلها افتتاح مكتب برازيلي في القدس فإنه لا يشكل انطلاقة للتعاون التجاري بين الطرفين الذي يعود إلى عقود مضت، وتعزز منذ مطلع ستينيات القرن الماضي حين قدمت إسرائيل للبرازيل المساعدة في مشاريع الري والزراعة ومحاربة التصحر من خلال شركات التكنولوجيا الإسرائيلية العاملة في البرازيل.
ووفقا للإحصائيات الإسرائيلية الرسمية، قدر حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والبرازيل بنحو 1.5 مليار دولار في عام 2008، وكانت نحو 150 شركة إسرائيلية نشطة بالبرازيل في نفس العام، بما في ذلك 42 شركة في التكنولوجيا الزراعية، و42 في مجال الاتصالات، و24 في مجال الأمن، و17 في المعدات الطبية، في حين بلغ إجمالي صادرات البضائع الإسرائيلية إلى البرازيل في عام 2013 مليار دولار، ويزور إسرائيل نحو 30 ألف سائح برازيلي كل عام.
وتعتبر البرازيل الدولة الأكثر تداولا للتجارة مع إسرائيل والأهم في أميركا اللاتينية، وتعد من أهم وجهات التصدير الإسرائيلي في العالم، ويقارب الاستيراد من البرازيل خمس الاستيراد من دول المنطقة.
وتشكل التجارة الإسرائيلية مع البرازيل ما يقارب 40% من مجموع التجارة مع جميع دول أميركا اللاتينية، في حين يشكل تصدير البضائع للبرازيل 70% من مجمل التجارة بين البلدين، ويشكل الاستيراد من البرازيل 30%، أي أن الميزان التجاري لصالح إسرائيل.
رئيس البرازيل يزور الحائط الغربي وغضب فلسطيني لفتحه بعثة تجارية بالقدس
زار الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الحائط الغربي في القدس يوم الاثنين برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بينما يدرس الفلسطينيون استدعاء سفيرهم في برازيليا احتجاجا على فتح بعثة تجارية في إسرائيل بالمدينة المقدسة.
ويقع الحائط الغربي في الجزء الشرقي من المدينة الذي احتلته إسرائيل في حرب عام 1967 وضمته لاحقا في خطوة لم تلق اعترافا دوليا.
وتعتبر إسرائيل منذ فترة طويلة القدس بالكامل عاصمتها الأبدية والموحدة في حين يسعى الفلسطينيون لأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة يسعون لإقامتها في المستقبل في أراضيهم التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
وخرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الإجماع العالمي باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته بلاده في إسرائيل إلى المدينة المقدسة في مايو أيار الماضي.
وفتحت البرازيل يوم الأحد بعثة تجارية جديدة في إسرائيل بالقدس متراجعة بذلك عن تلميحات سابقة بأنها ستحذو حذو الولايات المتحدة بفتح سفارة كاملة بالمدينة.
وذكر السفير الفلسطيني لدى البرازيل يوم الاثنين أنه قد يتم استدعاؤه لبلاده بعد تلك الخطوة التي أقدمت عليها برازيليا.
ولدى البرازيل سفارة في تل أبيب شأنها شأن معظم الدول.
وأثار مقترح بولسونارو الأصلي غضب العالم الإسلامي، وتراجع كبار المسؤولين البرازيليين عنه خشية الإضرار بالعلاقات مع الدول العربية وتعريض صادرات بمليارات الدولارات من اللحوم البرازيلية الحلال للخطر.
وقال المتحدث الرئاسي البرازيلي أوتافيو ريجو باروس يوم الأحد إن البعثة التجارية لن تكون تمثيلا دبلوماسيا، لكن ذلك التحرك أثار غضب الفلسطينيين.
ولم تعترف البرازيل رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويقول معظم القوى العالمية إن حسم وضع المدينة ينبغي أن يكون في إطار عملية سلام مع الفلسطينيين.
وأبلغ السفير الفلسطيني في برازيليا إبراهيم الزبن رويترز بأنه ربما يتم استدعاؤه، وإن كان الرد على الخطوة البرازيلية لا يزال قيد الدراسة.
وقال الزبن ”طبقا لما قيل لي فإن الأمر سيعتمد على ما سيحدث خلال زيارة (بولسونارو)... نتمنى لو لم يكن قد تم التطرق إلي موضوع القدس“.
واعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية يوم الأحد فتح المكتب التجاري في القدس ”انتهاكا صارخا للشرعية الدولية وقراراتها وعدوانا مباشرا على شعبنا وحقوقه“.
واحتلت إسرائيل القدس والضفة الغربية وغزة في حرب عام 1967. وقال الزبن إن الفلسطينيين غاضبون أيضا لعدم قيام بولسونارو بزيارة للأراضي الفلسطينية أو تنسيق زيارته مع السلطات الفلسطينية.
وعبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أمله في أن يمثل فتح مكتب تجاري برازيلي في القدس خطوة صوب نقل السفارة إليها.
وقال المتحدث الرئاسي البرازيلي باروس ”لا يوجد اعتراف بالقدس كعاصمة... رئيسنا مستمر في تقييم هذا الاحتمال (نقل السفارة)، لكن ليس هذا ما استقر عليه رأينا في هذا التوقيت“.