طباعة هذه الصفحة

مجموعة البريكس..القوة الاقتصادية الناشئة

الأربعاء, 09 تموز/يوليو 2014 10:42

 

 *د.محمد بوبوش

ظهرت تسمية "بريك" (قبل ان تصبح التسمية بريكس بعد انضمام جنوب افريقيا) في نوفمبر 2001، حين عبر كبير اقتصاديي البنك الاستثماري الأمريكي (غولدمان ساكس) جيم أونيل لأول مرة، عن رأيه بأن اقتصاديات البرازيل وروسيا والهند والصين سوف تتفوق على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وعلى اقتصاديات الدول السبع الكبرى في منتصف القرن. وقد استخدم أونيل مصطلح "بريك" كرمز لانتقال ثقل الاقتصاد العالمي بعيداً عن مجموعة الدول السبع الصناعية- حتى ذلك الحين- وهي: الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، باتجاه دول العالم النامي بزعامة الصين والهند والبرازيل وروسيا.


وبعد سبع سنوات فقط اندلعت الأزمة المالية العالمية التي أكدت افتراض أونيل، فقد تغلبت بلدان "بريك" على الركود وأصبحت تنمو بسرعة، وأصبح البعض يتنبأ بزعامة "بريكس" العالمية نحو سنة 2030. فدول هذه المجموعة، هي دول كبيرة ومهمة في العالم، من حيث: عدد السكان (الصين 1.3 مليار نسمة، الهند 1.2 مليار نسمة، البرازيل 193 مليون نسمة، روسيا 140 مليون نسمة، جنوب أفريقيا 49 مليون نسمة)، والمساحة الجغرافية، والثروات الطبيعية الهائلة، والطاقة الإنتاجية القوية. فحالياً تستحوذ الدول الخمس على نحو 18% من الاقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي يقارب 10 تريليونات دولار أمريكي سنوياً. فحسب احصائيات عام 2010، بلغ إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول الآتي: الصين 5 تريليونات ونصف تريليون دولار، والبرازيل 2 تريليونات دولار، وكل من الهند وروسيا تريليون و600 مليار دولار، وجنوب أفريقيا 285 مليار دولار. كما تستحوذ الدول الخمس على 15% من إجمالي التجارة العالمية وأكثر من ثلث السوق العالمي وربع مساحة الأرض ونحو 42% من تعداد سكان العالم. وستتجاوز نسبة مساهماتها الإجمالية 50% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي في عام 2020.

 

أولا: تكتل عابر للقارات والحضارات
مجموعة "بريكس" تختلف بشكل كبير عن بقية أشكال التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية من قبل، حيث لا يوجد رابط معين مشترك بين الدول الخمس، سواء سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو غيره، كما أنها لا يربطها نطاق جغرافي أو إقليمي، بل تأتي من أربع قارات مختلفة، كما أن هناك تبايناً واضحاً في درجات نموها الاقتصادي ومستوياتها الإنتاجية، وحتى المواقف السياسية بينها متباينة بشكل نسبي، فهي مجموعة محايدة تماما بالنسبة للتوازنات السياسية العالمية لأنها تضم دولا مختلفة ومتباينة إلى حد كبير في التوجهات السياسية والأنظمة الاقتصادية وتمثل توجهات عالمية مختلفة، كما أن اهتمام المجموعة يتركز في الأساس على النواحي الاقتصادية والمالية العالمية. ولا يتعرض لأية قضايا سياسية إلا إذا كانت مرتبطة بالشأن الاقتصادي العالمي من قبيل مقترحات مثل طرح عملة دولية جديدة أو إصلاح صندوق النقد والبنك الدوليين.
غير أن هذه الدول الخمس بينها رابط ثقافي هام، وهو أنها لا تنتمي إلى "دائرة الحضارة الغربية"، بل تشكل مزيجاً متميزاً من حضارات مختلفة، حيث قمة الحضارة الشرقية العريقة: الهندوسية في الهند والبوذية في الصين، والحضارة السلافية الأرثوذكسية المتميزة عن الشرق والغرب معاً في روسيا، والحضارة الغربية اللاتينية في البرازيل التي يتميز شعبها بثقافة وفنون متميزة كثيرا حتى عن الدول المحيطة بها، والحضارة الإفريقية في جنوب إفريقيا. لكن من المؤكد أن الرابط السياسي الذي يربط هذه الدول الخمس، والذي على أساسه نشأت هذه المجموعة، هو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، هذه الهيمنة التي تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات يعاني الكثير من أجل الخروج منها.

 

 

ثانيا: التكامل الاقتصادي بدل التنافس
وبرغم تباين مستويات وإمكانات دول "البريكس" الخمس، فإن لدى كل منها ما يعوضه في النقص عن الآخر. فهذه روسيا التي تعتبر الأقل في النمو الاقتصادي بالمقارنة بالأربعة الآخرين، نجدها هي الأقوى سياسياً وعسكرياً ونفوذاً في العالم، ويمكن القول إن روسيا هي رأس هذه المجموعة والصين جسدها والباقون أطرافها، بل أكثر من ذلك، يذهب البعض في واشنطن والغرب، إلى الاعتقاد بأن روسيا هي التي تهيمن على هذه المجموعة وتوجهها حسب مصالحها وطموحاتها وتطلعاتها على الساحة الدولية. وهذه بالقطع قد تكون مبالغات لا تمت للواقع بصلة، وهي ربما من موروثات الحرب الباردة، وربما انضمام جنوب إفريقيا لهذه المجموعة مؤخرا، يؤكد بطلان هذه التوقعات والمبالغات، باعتبار أن جنوب إفريقيا دولة مرتبطة بالغرب تماماً في توجهاتها السياسية، وقد أيدت التحالف الغربي في ليبيا، بينما امتنعت الدول الأربع الأخرى عن التصويت على قرار مجلس الأمن.
ورغم المشكلات التي تتعرض لها من إغراق سوق البرازيل بالأحذية الصينية، وجنوب أفريقيا بالملابس الصينية، وفرض الهند رسوما على بعض السلع الصينية، ووجود خلافات بين موسكو وبكين حول تسعير النفط الروسي، فإن هناك تفاؤلاً إزاء توسع التجارة بين الدول النامية. فقد ارتفعت التجارة بين الجنوب والجنوب إلى 17% من مجمل التجارة العالمية عام 2009 من 7% فقط عام 1990. ويتوقع صندوق التنمية الآسيوي تضاعف تلك النسبة خلال عقدين. وتمثل الدول الآسيوية 75% من التجارة بين الدول النامية كلها، في حين تمثل الصين وحدها 40%. وتواجه الدول النامية تحديا لتقسيم كعكة التجارة بينها بصورة أكثر عدلا. وينمو بسرعة نصيب أمريكا اللاتينية وأفريقيا من التجارة بين الدول النامية، بسبب حاجة الصين للنفط والمواد الخام التي تشتريها مقابل السلع الاستهلاكية. وتتقبل أفريقيا التجارة المتنامية مع الصين رغم بعض المشكلات، فقد واجهت صناعة النسيج في جنوب أفريقيا وبوتسوانا ضربة كبيرة من صناعة المنسوجات الصينية. ومن المتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري بين أفريقيا والصين عام 2015 إلى أكثر من 300 مليار دولار من 93 مليارا عام 2009 ونحو 125 مليارا عام 2010.

 

ثالثا: السياسة والاقتصاد في حسابات البريكس

بعد انضمام جنوب أفريقيا لمجموعة "البريك" أوائل عام 2011، أبدي جيم أونيل ملاحظة ساخرة قال فيها: "عندما وضعت مصطلح "بريك" لم أكن اتوقع أن يتكون "تكتل سياسي" من الدول الأربع نتيجة لذلك". إذ كان أونيل واثقاً من أن "بريك" لن تتطور حتى إلي مجرد تكتل اقتصادي أو تجاري علي شاكلة الاتحاد الأوروبي (يضم 28 دولة) أو تجمع جنوب شرق آسيا "الآسيان" (يضم 10 دول). لكن بتوسع "بريك" لتصبح خمس دول، فإن المجموعة قد تكون في طريقها إلي تكوين "تكتل سياسي" علي شاكلة الاتحاد الأوروبي وتجمع "الآسيان" كـ"خطوة جانبية" للتعاون التجاري والاقتصادي بين الدول الخمس. فـ"السياسة تتبع التجارة حيثما ذهبت"، فعملية ضم جنوب أفريقيا، مثلاً، خضعت لاعتبارات سياسية وجيوبوليتكية أكثر منها اقتصادية أو تجارية. فكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا تصنف ضمن الاقتصاديات الصاعدة، وكانت تملك مشروعية أكبر في الانضمام إلي "بريك" مقارنة بجنوب أفريقيا. فالدول الثلاث تشارك كل منها بنسبة 1% من الاقتصاد العالمي( يبلغ إجمالي الناتج المحلي للمكسيك 875 مليار دولار وكوريا الجنوبية 830 مليار دولار وتركيا 615 مليار دولار). لكن الصين رأت ضرورة ضم دولة أفريقية مهمة إلي المجموعة باعتبار أن الصين هي الشريك التجاري الأول لجنوب أفريقيا ولتكون بريتوريا هي بوابة "بريك" إلي قارة أفريقيا في ظل السباق الأمريكي - الصيني المحموم علي النفوذ والتجارة في القارة. هذا علاوة علي أن جنوب أفريقيا تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة، فهي تشرف علي المحيطين: الأطلسي غربا والهندي شرقاً من ناحية الجنوب عبر طريق رأس الرجاء الصالح.

 


رابعا: الاستقلالية ورفض التبعية الاقتصادية والسياسية
تختلف مجموعة "البريكس" عن غيرها من التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية من قبل، خاصة وأنه لا يوجد رابط معين يربط بين الدول الخمس، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. كما أنه لا يربطها نطاق جغرافي أو إقليمي، بل تأتي من أربع قارات مختلفة. كذلك فإن هناك تباينا واضحا في درجات النمو الاقتصادي ومستويات الإنتاجية بين الدول الخمس.
غير أن هذه الدول الخمس ترتبط برابط هام، وهو الذي أنشئت على أساسه هذه المجموعة، ألا وهو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية. فأعضاء مجموعة "البريكس" يدعون إلى إنشاء نظام أكثر عدالة وتوازنا للعلاقات الاقتصادية الدولية، ويهدفون إلى وضع نظام بديل لمواجهة القيود التي يضعها الهيكل الحالي للنظام المالي والنقدي الدولي.
وقد شهدت آلية التعاون بين هذه الدول تحسنا مستمرا في الأعوام القليلة الماضية، وتشكلت بشكل أولي هيكلة تعاون في مجالات الأمن السياسي والتنمية الاقتصادية والتعاون العملي، وتطورت هذه الهيكلة حاليا حتى أصبحت منصة مهمة للأسواق الناشئة والدول النامية في إجراء التبادلات والحوار في مجالات الاقتصاد والمالية والتنمية، وبذلك صارت دول البريكس قوة حيوية في صون السلم والاستقرار وتفعيل النمو الاقتصادي وتعزيز نزعة التعددية وتنشيط ديمقراطية في العلاقات الدولية.
كما ترفض تلك الدول سياسة الضغط العسكري والانتقاص من سيادة دول أخرى، وتتبنى مواقف متشابهة من القضايا الدولية الملحة، خاصة الأزمة السورية والملف الإيراني والتسوية في الشرق الأوسط. وقد امتنعت دول المجموعة عن التصويت في مجلس الأمن الدولي بالنسبة للقرارات المتعلقة بليبيا وكذلك إزاء بعض القرارات الخاصة بسوريا.

 

خامسا: صعوبات وتحديات تحقيق التكامل الاقتصادي
على الرغم مما يربط الدول الخمس في بريكس من تطلعات وتحديات مشتركة، غير أنها تواجه صعوبات مستمرة حول مدى قدرتها على توحيد مواقفها بشأن قضايا دولية رئيسية نظرا لتباين أولوياتها. فالمشكلة تتمثل في كيفية التوفيق بين مصالح مختلف أعضاء مجموعة البريكس، حيث إن الأولوية معطاة دائما لتعزيز المصالح الوطنية التي وقفت دوما عقبة في طريق العمل المتضافر، على الأقل حتى الآن.
ومن المرجح أن يكون ذلك الأمر هو السبب الذي أعاق إنشاء "بنك التنمية لمجموعة البريكس" حتى الآن، فالهدف المعلن لإنشاء البنك هو استكمال الجهود الدولية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الإقليمية الرامية إلى دعم النمو والتنمية على المستوى العالمي، غير أن الهدف الخفي في رأي الكثير من المراقبين هو إنشاء مؤسسة دولية منافسة للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتمكن المجموعة من منافسة هذه المؤسسات من جانب، وتحرر العالم من تأثير هذه المؤسسات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة بشكل أساسي، سواء في تحديد إداراتها أو سياساتها.
ويبقى التحدي الرئيسي في كيفية تحقيق هذا الهدف مع مراعاة التناقضات بين مصالح دول مجموعة البريكس ومحاولة التوفيق بينها، خاصة وأن تلك الدول إذا استمرت في تحقيق معدلات نموها وتوسعها الحالي، فستصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم.
وعليه يمكن القول أن طموحات دول "البريكس" لا تزال في الإمكان وقابلة للتنفيذ إلا أن الإمكانات المشتركة لها لم تترجم حتى الآن إلى عمل تعاوني.

 

*باحث في العلاقات الدولية-جامعة محمد الخامس-أكدال-الرباط

قراءة 10317 مرات
قيم الموضوع
(1 تصويت)