طباعة هذه الصفحة

توجهات جو بايدن نحو أمريكا اللاتينية بين التغيير والاستمرارية

الخميس, 04 شباط/فبراير 2021 14:25

أحمد بوخريص
باحث مختص في الدراسات العسكرية والاستراتيجية

 

لم يتضح بعد المسار الذي ستنتهجه إدارة جو بايدن إزاء دول أميركا اللاتينية، وإن كان البعض يعتقد بأنها ستعتنق مذهب أوباما في مقاربة القضايا الملحّة في حديقتها الخلفية؛ أي أنها ستُهادِن تارةً، وستسعى إلى الضغط لقلب بعض الأنظمة تارةً أخرى، ومن هنا تحديداً، يجيء الحذر الذي تبديه الأنظمة اليسارية مِن تسلُّم إدارة ديموقراطية السلطة، على رغم أن بعضها يراهن على تغيير ما في مقبل الأيام.


أربع سنوات صعبة عاشتها الأنظمة اليسارية في أميركا اللاتينية، في ظلّ إدارة دونالد ترامب، خطط الانقلاب التي وضعتها الإدارة لإسقاط العواصم اليسارية تباعاً، من فنزويلا إلى بوليفيا، فشلت، ولما تعذّر فوز ترامب أمام منافسه الديموقراطي جو بايدن، بدا أن مرحلة مختلفة في علاقات الشمال والجنوب ستنطلق مع تسلّم الإدارة الجديدة مهمّاتها في 20 يناير المقبل، وبالنظر إلى أن بايدن كان نائباً للرئيس الأسبق، باراك أوباما، وأحد مهندسي سياساته الخارجية، ولا سيما تلك المتعلّقة بدول أميركا الجنوبية، فإن ذلك يعطي لمحة محتملة عن سياسة الإدارة القادمة، والمتوَقَّع أن تعود إلى اعتماد عقيدة أوباما1.


أطاح جوزيف بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، بخصمه الجمهوري في انتخابات نونبر 2020، منهيا إدارة دونالد ترامب بعد فترة ولاية واحدة، في إشارة إلى إنهاء نهج ترامب المتمثل في شعاره” أمريكا أولاً“، في التعامل مع القضايا السياسية الخارجية، أشار بايدن إلى أنه سينظف تداعيات السنوات الأربع الماضية من حكم ترامب ويعيد الولايات المتحدة إلى طاولة الشؤون الدولية والمجتمع الدولي 2.


تقاس براعة الرئيس الأمريكي بأدائه الفعال في ملف السياسة الخارجية، ولذلك يسعى كل رئيس منتخب جديد إلى تبني نهج مختلف عن سلفه، وإثبات تخطيه لكافة أخطائه، ولعل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خير مثال على ذلك، حيث سعت إدارته لتبني نهج مختلف عن الرئيس السابق باراك أوباما لملفات السياسة الخارجية الأمريكية، ولذلك ستسعى الإدارة الديمقراطية القادمة للتملص من نهج ترامب على مستوى السياسة الخارجية بحجة أنه تتخلله عيوب عدة.


وفي هذا السياق تشرح مقالة منشورة بمجلة الشؤون الخارجية، نهج السياسة الخارجية الذي يسعى الديمقراطي جو بايدن لتبنّيه بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، وتوضح ملامح التشابه والاختلاف بينه وبين ترامب، وكذلك تشير إلى كيفية الاستفادة من إرث الرئيس الحالي بملف السياسة الخارجية.


بدأ المقالة بتوضيح أنه في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية القادمة في نونمبر، فسيكون هناك تغيير ملحوظ في ملف السياسة الخارجية الأمريكية، حيث سيسعى بايدن لتبني نهج -ترميمي -يتشابه إلى حد ما مع نهج الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، ويختلف مع نهج الرئيس الحالي دونالد ترامب، ويعزو الكاتب ذلك للكراهية الشديدة لـترامب ولنهجه3 .


من المؤكد أنه بفوز جوزيف بايدن في الانتخابات الرئاسية، ستغلق الولايات المتحدة الأمريكية فترة اتسمت فيها سياستها الخارجية بالارتجالية و عدم الوضوح، و الخلط بين السياسي و الشخصي، و ستعود إلى ثوابت ذكر بها بايدن في مقال أصدره في 11 يوليوز2019 بعنوان لماذا على أمريكا أن تعود لقيادة العالم؟، و منها العمل على استعادة الولايات المتحدة لمصداقيتها و احترام العالم لها، و ثقة حلفاءها فيها، لتكون من جديد قوة مؤثرة، و الحرص على بناء نظام عالمي يتماشى مع ما أسماه بالقيم الأمريكية، من نشر للحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان، و العمل مع حلفاء الولايات المتحدة لرفع التحديات العالمية، مثل تغير المناخ (الانضمام من جديد لاتفاقية باريس)، و الممارسات التجارية غير النزيهة (استهداف الصين بالأساس)، و وضع حد للنزاعات القائمة (انهاء الحروب في أفغانستان، و الشرق الأوسط، و إنهاء دعمها للسعودية في حربها على اليمن)، و للانتشار النووي (العودة لاتفاق ايران و دول 5+1 و الاتحاد الأوروبي،) و العودة لسياسة الضغط على كوريا الشمالية، و مواصلة دعمها اللامشروط لإسرائيل، و في هذا الإطار من المتوقع أن يواصل بايدن ما قام به ترمب و كوشنير مهندس نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، و اتفاق أبراهام مع الإمارات العربية المتحدة ثم البحرين في إطار ما تم تسميته بخطة السلام بالشرق الأوسط ،واستغلاله كإطار لحث دول أخرى من المنطقة على التطبيع مع إسرائيل4.

 


1-انقسام في أمريكا اللاتينية حول بايدن بين مرحب و متوجس
في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، كما يتم تقديم أمريكا اللاتينية غالبًا، تتم متابعة السباق على البيت الأبيض بنفس الاهتمام الذي تحظى به الانتخابات المحلية، بسبب روابط التبعية الاقتصادية، وتواجد مهاجرين من جميع أنحاء المنطقة لدى الجار القوي في الشمال، فإذا كان الاقتصاد الأمريكي في أحسن حال، فإن ذلك سينعكس على الجنوب لا محالة5.


تختلف رؤية دول أمريكا اللاتينية إلى فوز المرشح الديمقراطي جوبايدن بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بين ترحيب من طرف دول مثل الأرجنتين والمكسيك، وترحيب بنوع من التحفظ من طرف: كوبا وبوليفيا وفنزويلا، وقلق في دول مثل التشيلي وكولومبيا والبرازيل.


وتعد المكسيك من الدول التي رحبت بهذا الفوز، وعكست الصحافة المحلية شعور الارتياح بحكم أن الرئيس الجمهوري: دونالد ترامب جعل من الجالية المكسيكية: المشجب الذي علق عليه الكثير من مشاكل الولايات المتحدة، إلى مستوى ممارسة خطاب عنصري مقيت، وكان الرئيس: لوبيث أوبرادور قد تبنى بعد وصوله إلى الرئاسة سنة 2018، خطابا صارما مع ترامب، بضرورة وقف توظيف المكسيك كلعبة سياسية انتخابية، وكرد فعل منه، بدأ بالرفع من العلاقات مع روسيا والصين، الأمر الذي أثار قلق مختلف الهيئات في واشنطن الذين ضغطوا لكي يوقف ترامب تهجماته على الجار الجنوبي.


وكان ترامب قد أنهى ما كان يعتبره سياسة المهادنة من طرف باراك أوباما مع الأنظمة الاشتراكية، وفرض عقوبات قاسية ضد كوبا وضد فنزويلا، وتعرب هافانا وكاراكاس عن ارتياحهما للتغيير الحاصل في البيت الأبيض، ولا تنتظران كثيرا ولكن تدركان أن الضغط سيتراجع، وكان خوان غونثالث الذي عمل في إدارة باراك أوباما إلى جانب بايدن قد صرح مؤخرا: أن العقوبات أظهرت محدوديتها في تغيير الأوضاع، ولهذا يجب الرهان على الحوار والضغط، لجمع المعارضة والأنظمة الحاكمة، من أجل إقرار الديمقراطية، وتتساءل الصحافة الفنزويلية: هل سيستمر بايدن في دعم خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيسا لفنزويلا بدعم من ترامب أم لا؟6.


ويأتي وصول بايدن إلى الحكم في ظل استعادة اليسار لقوته، بعد وصول يساريين إلى الحكم في المكسيك والأرجنتين، ومؤخرا بوليفيا، وهذا التغيير سواء في نوعية الأحزاب أو البيت الأبيض يقلق أنظمة يمينية راديكالية وشعبوية مثل الرئيس: بولسونارو في البرازيل.


وسيكون للجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، دور هام في صياغة العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية، حيث سيضغط من أجل الحوار بهدفين، الأول: هو إضعاف الأنظمة الشعبوية على شاكلة دونالد ترامب ولا سيما في البرازيل وكولومبيا، والثاني: جعل يسار أمريكا اللاتينية لا يغامر كثيرا في الاقتراب من روسيا والصين.


وتتراوح واشنطن بين رؤيتين اتجاه ما يسمى حديقتها الخلفية، الأولى: وهي الصرامة والضغط والعقوبات التي تطبقها الإدارة الجمهورية، والثانية: الحوار والليونة التي تهيمن على الحزب الديمقراطي، وتمتد الرؤيتان إلى مختلف الهيئات مثل الدبلوماسية والاستخبارات والجيش7.

 


2- تعليقات رؤساء أمريكا اللاتينية على فوز بايدن
حالة من الأنقسام ضربت أمريكا اللاتينية عقب الإعلان عن فوز مرشح الحزب الديمقراطي: جون بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ونائبته كامالا هاريس في الانتخابات الأمريكية، ففي الوقت الذى سارع رؤساء بعض الدول لتهنئة الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب، تأخر آخرون، حسبما قالت صحيفة انفوباى الأرجنتينية، حيث هنأ رئيس الأرجنتين: ألبرتو فرنانديز الشعب الأمريكي على سجل المشاركة في الانتخابات، وهو تعبير واضح عن الإرادة الشعبية، وكانت الأرجنتين أولى الدول في أمريكا اللاتينية التي ترى أن بايدن هو الرئيس المقبل للولايات المتحدة ، وكانت تأمل في ذلك، و اعتبر الرئيس :ألبرتو فرنانديز أن أربع سنوات من ولاية نظيره الأمريكي، دونالد ترامب ، لم تكن ممتعة لأمريكا اللاتينية، وكان يأمل في أن يكون هناك تغيير في علاقة واشنطن بالمنطقة، بعد فوز الديمقراطي جو بايدن.


البرازيل: لم يعلق رئيس البرازيل: جاير بولسونارو، علي هزيمة: ترامب الذي كان يدعمه في سياساته وآرائه في مناسبات متعددة، وهو ما يعني أن علاقة فاترة في انتظار العلاقة بين الطرفين، بسبب انتقادات بايدن المستمرة لبولسونار على خلفية إزالة الغابات في الأمازون، والسياسات البيئية المختلفة بين الطرفين، ولذلك فإن بولسونارو من المتوقع أن يبحث عن شريك دولي آخر، والذى سيكون الصين التي تعتبر في المقام الثاني بعد واشنطن8.


تشيلي: قدم: سباستيان بينيرا ، رئيس تشيلي ، تهانيه وقال: إن بلاده والولايات المتحدة تشتركان في قيم مثل: الحرية، والدفاع عن حقوق الإنسان، و حماية البيئة.


كولومبيا: من جانبه تمنى رئيس كولومبيا: إيفان دوكي ، لبايدن وهاريس أفضل النجاحات في إدارتهما، مضيفا: سنعمل معًا لتعزيز الأجندة المشتركة في التجارة والبيئة والأمن، ومكافحة الجريمة العابرة للحدود،وذلك على الرغم من ابداء كولومبيا رغبتها أثناء الانتخابات الامريكية، عن فوز ترامب الذي تجمعها به علاقات متينة....


كوستا ريكا: كما قدم الرئيس الكوستاريكي: كارلوس ألفارادو تهانيه لجو بايدن وكامالا هاريس و قال: نحتفل بالإقبال الكبير في العملية الانتخابية ، وكذلك بعلاقات الصداقة التي توحدنا مع الشعب الأمريكي.


الإكوادور: هنأ لينين مورينو: رئيس الإكوادور ، الفائزين الديمقراطيين وتمنى لهم النجاح في مهامهم، وقال أتمنى أن تظل العلاقة بين بلدينا راسخة ومزدهرة ، دائما لصالح الأهداف المشتركة.


السلفادور: بعث رئيس السلفادور: نيب بوكيلي بالتهنئة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب: جو بايدن ونائبة الرئيس المنتخب: كامالا هاريس، خاصة وأن الدولتين تتمتعان بعلاقة وثيقة لأكثر من 157 عامًا.


غواتيمالا: هنأت الحكومة الجواتيمالية من خلال وزارة الخارجية، الولايات المتحدة على عمليتها الانتخابية، وجو بايدن كرئيس منتخب، مؤكدة استعدادها لمواصلة العمل المشترك.


الهندوراس: هنأ خوان أورلاندو هيرنانديز ، رئيس: هندوراس ، بايدن على انتصار عزز الديمقراطية الأمريكية ، وقال: آمل أن نتمكن من العمل معا كما في الماضي لتقوية تحالف بلداننا.


المكسيك: أما الرئيس المكسيكي: أندريس مانويل لوبيز أوبرادور فكان له تعليق مختلف: حيث قال: إنه بحاجة إلى الانتظار، حتى صدور أجوبة عن الاعتراضات القانونية على إعادة فرز الأصوات. وأضاف: الرئيس ترامب كان شديد الاحترام لنا، ووقعنا معه عدة اتفاقات9.


بنما: وقدم رئيس بنما: لورينتينو كورتيزو تهانيه لبايدن وهنأ هاريس كأول نائبة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية.


أوروغواي: نشر رئيس أوروجواي: لويس لاكال بو ، على تويتر أنه مع بايدن: سنعمل على تقوية العلاقات لصالح شعبينا.


فنزويلا: هنأ الرئيس الفنزويلي : نيكولاس مادورو الشعب الأمريكي على الانتخابات الرئاسية، والرئيس المنتخب: جو بايدن ونائبة الرئيس المنتخب: كامالا هاريس.
وتعتبر فنزويلا من أكبر الدول التي كانت ترغب في أن يتولى بايدن الرئاسة الامريكية وذلك للعدواة الكبيرة التي تولدت بين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والرئيس السابق دونالد ترامب10.

 


3- بايدن يتعهد بسياسة مغايرة اتجاه أمريكا اللاتينية
لاشك أن كل رئيس جديد يسعى لإضافة لمساته المميزة على سياسته الخارجية تحديدا، إلى الدرجة التي تجعلها تحمل صفة المبدأ أو المذهب تبعا لصاحبها، كمذهب: نيكسون وكارتر وريجان وكلينتون وبوش الأب والابن وأوباما وترامب وهكذا، ولكن تظل هناك ثوابت تحددها المصلحة الأمريكية العليا تتجاوز الأشخاص، وتضع خطا مستقرا للأهداف الاستراتيجية يصعب المحيد عنها أو استبدالها تبعا للأهواء أو الانتماءات الحزبية وحدها.


المعروف أيضا أن السياسة الأمريكية كانت دوما ــ ومازالت ــ خليطا بين توجهين رئيسيين قد يبدوان متناقضين، أحدهما مثالي يؤمن بأن لأمريكا رسالة أخلاقية تستوجب نشرها في أرجاء المعمورة، مستمدة من القيم التي نشأت عليها كزعيمة للعالم الحر، وآخر واقعى أو براجماتي ينبع من تبادل المنافع والمصالح بصورة ميكيا فيلية لا يُلتفت فيها إلى الجانب القيمي، والشيء ذاته ينطبق على النزعة الانعزالية مقابل تلك التدخلية (أي التدخل في شئون الدول الأخرى)، أما الأساليب فتتأرجح بدورها بين الدبلوماسية واستخدام طرق الضغط والعقوبات، إلى العسكرية المعتمدة على القوة، وفي جميع الأحوال يتم توظيف الأدوات كافة على فترات تاريخية مختلفة تبعا لما تفتضيه كل مرحلة، فقد يغلب الطابع الليبرالي الذى يتبناه الديمقراطيون تارة، أو المحافظ كما يعبر عنه الجمهوريون تارة أخرى، وربما تجمع إدارة واحدة بين أكثر من نهج، والمقصود أن تلك السياسة لا تبدأ من نقطة الصفر، ولا تنسف ما قبلها وإن تغلبت نزعة معينة على ما عداها لمدة زمنية قد تطول أو تقصر، لكن دون تغييب كامل للنزعة المقابلة، وهذا هو جوهر الحكم المؤسسي الذي يضمن لها الاستمرارية ومرونة الحركة، أو بمعنى أدق: التنقل من خانة إلى غيرها دون دراما كبيرة11.


إن التحقق من اهتمام القائد و خبرته بالشؤون الخارجية، يعد أمرا ذا أهمية قصوى في اعتبارات السياسة الخارجية، للتعرف على مدى مشاركته المرتقبة في القضايا الخارجية، وعن خبراته و سلوكه المرتقب في تعامله مع مشكلات السياسة الخارجية، و يتفاوت الرؤساء بصورة خاصة في اهتمامهم بالسياسة الخارجية، فكان كل من فراكلن روزفلت وجون كندي على درجة عالية من الاهتمام بالسياسة الخارجية، حتى أنهما كانا بمثابة وزيرين للخارجية، ومثل هذا الرئيس يشارك عن كثب في القضايا الكبرى، ويضع معايير سياسة عالية، و يقتحم الروتين، و يندمج في المباحثات الديبلوماسية.


وعلى النقيض من ذلك، نجد رؤساء لا يبدون كبير اهتمام بالسياسة لخارجية، و على استعداد لإحالة قدر كبير من المسؤولية لغيرهم، ويعد كل من: إيزنهاور و فورد مثالين للرؤساء الذين تنازلوا على قدر كبير من سلطاتهم في صياغة السياسة الخارجية إلى وزراء خارجياتهم12.


أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب: جو بايدن: طي صفحة سياسات أمريكا أولا التي اتبعها الرئيس: دونالد ترامب، وقال: إن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للقيادة مجددا على الساحة العالمية، متعهدا بالعمل مع حلفاء واشنطن في الخارج.


وفى معرض تقديمه لفريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي، أشار بايدن إلى: نيته بعد تولى السلطة في 20 يناير، إبعاد الولايات المتحدة عن النهج الوطني أحادي النزعة الذي تبناه ترامب.


وقال: بايدن إن فريقه، الذى يضم أنتوني بلينكن مرشحه لتولى وزارة الخارجية، ومساعده الذى يحظى بثقته، سوف ينأى بنفسه عما أسماه الرئيس المنتخب: الفكر العتيق والأساليب القديمة في منهجه للعلاقات الخارجية، وأضاف بايدن، في لقاء بمسقط رأسه بمدينة: ويلمجنتون في ولاية: ديلاوير: إنه فريق يجسد حقيقة أن أمريكا عادت ومستعدة لقيادة العالم، وليس الانسحاب منه، وسيجلس مرة أخرى على الطاولة وهو مستعد للتصدي لخصوم، وتقبل الحلفاء والدفاع عن القيم13.


أجرت صحيفة التيمبو الكولومبية حوارا مع جوبايدن: المرشح الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية، والذي قال فيه ردا على ما يمكنه تقديمه لأمريكا اللاتينية حال فوزه: يجب أن نعيد ترسيخ موقفنا في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، الذي أهلكه الرئيس ترامب، فقد أضعف هذا الأخير مؤسساتنا الديمقراطية، وأهمل أو أرهب حلفاءنا الديمقراطيين، وعلاوة على ذلك، أساء بشدة معاملة السكان المهاجرين في الولايات المتحدة14.


وأضاف سأدافع دائمًا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسأواجه الطغاة، سأعمل عن كثب مع شركائنا الرئيسيين في المنطقة، لبناء أجندة تدفع النمو الاقتصادي الشامل وتتصدى للتحديات المشتركة مثل تغير المناخ والأوبئة...


وقال: بايدن للصحيفة الكولومبية ردا على ما قاله ترامب بتخليه عن ذوي الأصول الإسبانية، وفتح الباب للاشتراكية في الولايات المتحدة، سأكون واضحا: أنا لست اشتراكيا انضم إليّ تحالف عريض وموحد من الأمريكيين، ورؤيتي للمستقبل لهذا البلد ، بما في ذلك المستقلين، والمسؤولين الجمهوريين المنتخبين السابقين، والمعينين في عهد الرؤساء الجمهوريين، يلجأ ترامب إلى الأكاذيب والمعلومات المضللة، ويدعو إلى التدخل الأجنبي في انتخاباتنا ، كل ذلك لصرف الانتباه عن إخفاقاته كرئيس.


وأضاف: سأكون رئيسًا لكل الأمريكيين، وليس فقط أولئك الذين صوتوا لي، وعلى عكس الشخص الذي يشغل البيت الأبيض اليوم، سأحكم بنزاهة وشفافية وديمقراطية، وسوف أقف في وجه الدكتاتوريين والمستبدين ، من اليسار واليمين ، كما فعلت طوال حياتي المهنية.


وذكر بايدن بأن: ترامب قام بتسييس العلاقات بين الولايات المتحدة وكولومبيا، مما قوض عقودا من دعم الحزبين لكولومبيا، والجهود المبذولة لبناء شراكة استيراتيجية للقرن الحادي والعشرين، وستعمل إدارتي على تعزيز هذه الشراكة، في كل من مجلس الشيوخ والبيت الأبيض15.


و أعلنت الرئاسة الأرجنتينية أن رئيس الدولة ألبرتو فرنانديز أجرى اتصالا هاتفيا مع المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية: جو بايدن و بحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين، وجاء في بيان الرئاسة الأرجنتينية أن: فرنانديز هنأ بايدن بالفوز في الانتخابات الأخيرة، مشيرا إلى أن فوزه يمثل فرصة جيدة لتحسين العلاقات، لكي تجد الولايات المتحدة لغة مشتركة مع أمريكا اللاتينية من جديد.


من جهته، أعرب بايدن عن رغبته في علاقات متينة مع أمريكا اللاتينية، حسب البيان، كما أشار بايدن إلى: الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه المنطقة، مؤكدا أنه ينبغي تقديم المساعدة لأمريكا اللاتينية...16.

 


4- سياسة بايدن اتجاه المكسيك
تعد المكسيك من الدول التي رحبت بهذا الفوز، وإن كان رئيسها لوبيث أوبرادوم قد تأخر في تهنئة: بادين، و عبرت الصحافة المحلية عن شعور بالارتياح، بحكم أن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب جعل من الجالية المكسيكية، المشجب الذي علق عليه الكثير من مشاكل الولايات المتحدة، و ممارسة خطاب عنصري مقيت ضدها، وكان الرئيس: لوبيث أوبرادور قد تبنى بعد وصوله الى الرئاسة سنة: 2018 خطابا صارما مع ترامب، بضرورة وقف توظيف المكسيك كلعبة سياسية انتخابية، وكرد فعل منه، بدأ بالرفع من العلاقات مع روسيا والصين، الأمر الذي أثار قلق مختلف الهيئات في واشنطن الذين ضغطوا، لكي يوقف ترامب: تهجماته على الجار الجنوبي17.


تعود قضية الهجرة غير الشرعية مرة من جديد إلى طاولة الإدارة الأمريكية، مع وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى الرئاسة. وتعهد جو بايدن بتوقيف بناء الجدار، وتخفيف قيود الهجرة، التي فرضها الرئيس المنتهية ولايته: دونالد ترامب.


وأكد بايدن للإذاعة الوطنية العامة، في بداية العام أنه: لن يتم بناء قدم أخرى من الجدار في إدارتي، سأحرص على أن تكون لدينا حماية للحدود، لكنها ستستند إلى التأكد من أننا نستخدم القدرة التكنولوجية العالية لمواجهتها.


ووفقًا لصحيفة بوليتيكو الأمريكية، قد يعني هذا أيضا انسحاب قوات الحرس الوطني التي أرسلها ترامب إلى الحدود مع المكسيك، لدعم وزارة الأمن الداخلي، وهو انتشار استمر حتى هذا العام.


ورغم أن دونالد ترامب أكد حتى شهر غشت من هذا العام، أن: المكسيك ستدفع تكاليف بناء الجدار، لأن الحصول على ميزانية البناء، كان معركة صعبة على الجمهوريين؛ أذ كانت التكلفة باهظة للغاية، وهو ما عارضه المشرعون قبل حل المشكلات الأكثر إلحاحًا مثل البطالة أو الوصول إلى الرعاية الصحية18.


كان تقدم البناء خلال السنوات الأربع لإدارة ترامب بطيئا، من يناير إلى أكتوبر 2020، تم بناء 300 ميل من الجدار، ومن المتوقع أن يتم انهاء 450 ميلًا بحلول نهاية العام.
بالنظر إلى ذلك، سيستمر بناء الجدار بالتأكيد لما تبقى من عام 2020، لكن من المرجح أن يتوقف عندما يصل بايدن البيت الأبيض، إلا أنه من غير المعروف بعد ما إذا كان سيقرر التخلص مما تم بناؤه في فترة ترامب.


وقد وعد بايدن بالنظر للهجرة بشكل أكثر إنسانية، لأنه يريد توسيع فرص الهجرة القانونية، بما في ذلك تأشيرات الأسرة والعمل، وكذلك الوصول إلى برامج التأشيرات الإنسانية، كما تعهد بإعطاء الأولوية للم شمل العائلات التي لا تزال مشتتة، بموجب سياسة عدم التسامح التي انتهجتها إدارة ترامب، والتي أدت إلى فصل واحتجاز أكثر من 2800 عائلة وطفل مهاجر في عام 2018.. 19

 


5- موقف بايدن من الأزمة الفنزويلية
تعتبر الأزمة الفنزويلية: القضية الأكثر إلحاحًا في المنطقة، حيث أن نتيجة الانتخابات الأمريكية ستحدد الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة من الأزمة السياسية، والاقتصادية في فنزويلا، وذلك: إما بتشديد العقوبات، أو تغيير مسار العلاقة المتوترة نحو علاقات إيجابية...


وقد اتخذ ترامب: موقفًا متشددًا من النظام الاشتراكي في فنزويلا، وقام بفرض عقوبات صارمة عليها في محاولة لتغيير النظام، ومنذ عام 2019، تُشكك إدارة: ترامب في شرعية مادورو كرئيس لفنزويلا، حيث اعترفت بزعيم المعارضة: خوان جوايدو: رئيسًا مؤقتًا للبلاد.


على الجانب الآخر، تؤيد حملة بايدن - مثل إدارة ترامب أيضًا- خوان جوايدو كزعيم شرعي لفنزويلا، لكنها تؤكد أن سياسة العقوبات الأمريكية على فنزويلا غير فعالة، خاصة أن جهود إدارة ترامب لإسقاط مادورو وفرض جوايدو كرئيس لفنزويلا أثبتت أنها أتت بنتائج عكسية، فبعد مرور أكثر من عام، تراجع أنصار جوايدو، ما أثر على الدعم الشعبي المطلوب، كما تعمقت الأزمة المؤسسية في فنزويلا مع وجود هيئات تشريعية تنافس البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، إلى جانب استمرار الدعم الروسي والصيني لبقاء مادورو في الحكم.


ولا يقتصر الأمر على فنزويلا، حيث تتابع بقية دول المنطقة الانتخابات الأمريكية عن كثب، خاصةً أن العديد من الدول تعتمد -إلى حدٍّ ما- على الولايات المتحدة، إما لأنها شريكة استراتيجية ،كما في حالة: كولومبيا والبرازيل، أو بسبب العلاقات التجارية، كما هو الحال مع دول أمريكا الوسطى، ولا سيما المكسيك20.

 


6- بايدن يرشح بيسيرا المحامي من أصول لاتينية و زيرا للصحة
يعتزم الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن: ترشيح المدعي العام لكاليفورنيا، خافيير بيسيرا، وزيرا للصحة والخدمات الإنسانية، وسيقود بيسيرا: عضو الكونجرس السابق وزارة الصحة في الوقت الذي تكافح فيه للتصدي لعودة ظهور فيروس كورونا، بما في ذلك الإصابات القياسية، وعدد يومي من الوفيات تجاوز ألفين في الأيام الأخيرة، وتستعد لبذل جهد كبير لتطعيم الأميركيين ضد الفيروس.


ويشير إحصاء لرويترز إلى أن أكثر من 281 ألف أميركي توفوا بسبب مرض كوفيد-19، وكان بيسيرا اللاتيني البالغ من العمر 62 عاما، يُعتبر أيضا مرشحا لشغل وظائف أخرى منها وزيرا للعدل، وقد جاء اختياره مع تكثيف الضغط على بايدن لتحقيق قدر أكبر من التنوع في تعييناته الوزارية، بما في ذلك شكاوى من المجموعات اللاتينية بالكونجرس، من عدم وجود لاتينيين21.

 


خاتمـــة
إن رسم سيناريوهات مستقبلية للسياسة الأمريكية اتجاه محيطها الإقليمي، يتضمن عنصرين رئيسيين: يركز الأول: على التوقعات المنتظرة من خلال الوضع الحالي لطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة، ومختلف دول المنطقة، ويمس الثاني ما يجب أن تقوم به الولايات المتحدة لمعالجة مشاكلها في نصف الكرة الغربي، و تحقيق أهدافها و هذا في شكل توصيات22.


ينطلق كل من الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، من ذات الثوابت للسياسة الخارجية الأمريكية، والمرتبطة بعاملين أساسيين؛ الأول: الأمن القومي، والثاني: المصالح الاقتصادية، غير أنهما يتباينان في الوسائل والمقاربات المتبناة لتحقيق هذه الأهداف؛ ففي حين يركز الجمهوريون على قاعدة المكاسب المشتركة مقابل المرونة في إدارة الملفات الشائكة ، ومن ثم يستخدمون مختلف الوسائل المتاحة، ومن ضمنها تلك التي تناقض القيم التي تجعل من دور الولايات المتحدة رائداً، وذا تأثير على مستوى العالم، فإن الديمقراطيين يركزون على ضرورة الموازنة بين تحقيق المصالح الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، دون اجتزاء قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تتبناها الولايات المتحدة شعاراً لها من أجل خلق تأثير لها على مستوى العالم.


اتضحت هذه التباينات والفروقات أكثر، من خلال سياسات الرؤساء المتعاقبين على الإدارة الأمريكية، وتحديداً في السنوات الأخيرة، إذ تبنى الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية ترامب كل الوسائل التي مكنته من تحقيق سبق اقتصادي في ميزانية الدولة، دون أن يهتم كثيراً بسمعة الدور الأمريكي، فهو في نهاية المطاف يرى أنه لا قيمة لحماية القيم الديمقراطية في الخارج دون مقابل، في حين يشير كثير من الخبراء إلى أن جو بايدن سيستعيد دور الديمقراطيين، ويواصل المشاريع التي ابتدأها أوباما من خلال البحث عن حل واقعي لأبرز الإشكاليات الدولية23.

 

 

لائحة المراجع:

1. آمال لاتينية حذرة: بايدن على مذهب أوباما صحيفة الأخبار، 19 نونبر 2020. www.al-akhbar.com
2. ناكاياما توشيهير، السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد فوز بايدن: رد فعل اليابان والتغيرات المتوقعة في العلاقة بين البلدين. موقع اليابان بالعربي – 17/11/2020.www nippon.com
3. إرث ترامب: حدود تغيير السياسة الخارجية الأمريكية بعد فوز بايدن، موقع المصري اليوم، 10 نونبر 2020. www.almasryalyoum.com:
4 آمنة بن عرب، الولايات المتحدة الأمريكية: قراءة في الانتخابات الرئاسية 2020. موقع ليدرز العربية09/11/2020.www.ar.leaders.com.tn
5. FRANCOI XAVIER GOMEZ ELECTION DE JOE BIDEN : EN AMERIQUE LATINE, BEAUCOUP D’ESPOIRS ET QUELQUES DECEPTIONS, LIBERATION : 8 novembre 2020/paris France.
6. حسين مجدوبي، أمريكا اللاتينية منقسمة حول بايدن: ترحيب لدى اليسار وقلق لدى اليمين الشعبوي. القدس العربي، 9 نونبر 2020.
7. حسين مجدوبي، المرجع السابق.
8. كيف علق رؤساء أمريكا اللاتينية على فوز بايدن وهزيمة ترامب في الإنتخابات الأمريكية؟ صحيفة صوت الأمة، 8 دجنبر 2020 www.soutalomma.com
9. كيف علق رؤساء أمريكا اللاتينية على فوز بايدن، مرجع سابق.
10. كيف علق رؤساء أمريكا اللاتينية على فوز بايدن، مرجع سابق.
11. هالة صدقي، أجندة بايدن، بوابة الأهرام، 24/11/2020. www.gate.ahram.org.eg
12. تشارلزكيجلى ويوجين ويتكوف، السياسة الخارجية الأمريكية، ومصادرها الداخلية – رؤى وشواهد، ترجمة: عبد الوهاب علوب، المشروع القومي للترجمة- إشراف جابر عصفور- المجلس الأعلى للثقافة—ص441 و442- الطبعة الأولى-2004-شارع الجبلاية –الأوبرا- الجزيرة – القاهرة – مصر العربية.
13. بايدن يطوي صفحة: أمريكا اولا ويعلن: أمريكا عادت موقع المصري اليوم، 25 نونبر 2020.www.almasryalyoum.com
14. فاطمة شوقي، بايدن يتعهد بإعادة ترسيخ موقف الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية والكاريبي. اليوم السابع، 3نونبر 2020.www.youm7.com
15. فاطمة شوقي، مرجع سابق.
16. رئاسة الأرجنتين: بايدن يريد علاقات متينة مع أمريكا اللاتينية، آرتي عربي، 1 دجنبر 2020، www.arabic.rt.com
17. في سابقة، اليسار في أمريكا اللاتينية يرحب بفوز بايدن والسبب التخلص من ترامب، ألف بوست، 9/11/2020.www.alifpost.org
18. ما موقف بايدن من الجدار الحدودي مع المكسيك؟، عاجل،11 نونبر 2020. www.agel.sa
19. ما موقف بايدن من الجدار الحدودي مع المكسيك؟، مرجع سايق.
20. صدفة محمد محمود، تداعيات السباق الرئاسي الأمريكي على أمريكا اللاتينية، موقع عين للأنباء، 23 أكتوبر 2020.www.eye-n.com
21. بايدن يعتزم ترشيح بيسيرا المحامي من أصول لاتينية: وزيرا للصحة، المصري اليوم، 7/11/2020. www.almasryalyoum.com
22. ميلود العطري، السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه أمريكا اللاتينية في فترة ما بعد الحرب الباردة، بحث لنيل شهادة الماستر في العلوم، السياسية- جامعة الحاج لخضر- باتنة –الجزائر – السنة الجامعية 2007/2008.
23. انعكاس فوز بايدن على الحالة الخليجية. مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، 17/11/2020.www.fikercenter.com

قراءة 684 مرات
قيم الموضوع
(1 تصويت)