طباعة هذه الصفحة

البرازيل.. متى سيستيقظ العملاق؟

الثلاثاء, 03 حزيران/يونيو 2014 16:52
والشواطئ الأسطورية بأجواها الإحتفالية، ولكن البرازيل أكبر من كل ذلك، فالبرازيل حالياً سابع أكبر إقتصاد في العالم وفقاً للبنك الدولي. وناتجها المحلي الإجمالي يبلغ 2.242 تريليون دولار، وفق إحصاءات صندوق النقد الدولي لسنة 2013، وتعد البرازيل خامس دولة في العالم من حيث عدد السكان والمساحة، وبالرغم من ذلك نسمع عن المظاهرات والاحتجاجات على الحكومة البرازيلية لاستضافة كأس العالم في الشهر الجاري، بينما هناك فشل يعتري بعض المشاريع العامة، وهناك مشاريع تأخرت مثل المشاريع الإسكانية، ما أدى إلى غضب الكثير. والسؤال الآن: لماذا تصرف الحكومة كل هذه المبالغ لتسويق البرازيل رياضياً بدلاً من أن تصرف على التنمية المحلية؟ وهل ستنجح البرازيل في استضافة كأس عالم بمنأى عن الجريمة؟
في البرازيل يوجد 16 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، وذلك رغم انتشال 35 مليوناً من الفقر في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه حسب إحصائيات 2013 لمعهد الإحصاء البرازيلي في ريو دي جانيرو 201 مليون و32 ألفاً و714 نسمة. وحسب ما ذكرته الحكومة خلال الآونة الأخيرة، فإن أكثر من نصف سكان البرازيل بقليل هم الآن جزء من الطبقة الوسطى، والبرازيل مرشحة مع كل هذه التناقضات إلى أن تصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم. وستكون وراء الولايات المتحدة واليابان والصين وألمانيا- ولكن قبل فرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا، فضلا عن الهند وروسيا. وبغض النظر عن كون البرازيل، هي المنتج الرئيسي في العالم لعارضات الأزياء ولاعبي كرة القدم، فإنها تستعد أيضاً لتصبح قوة مالية وصناعية وتقنية عظمى.
وأتوقع في السنوات العشر القادمة أن تكون البرازيل واحدة من أكثر الاقتصادات المستدامة في العالم بوجود بنية تحتية جيدة وأراض زراعية خصبة واسعة ووفرة في الموارد الطبيعية، ففي أواخر عام 2007 تم اكتشاف أكبر حقل نفط في المياه العميقة في العالم قبالة الساحل الجنوبي الشرقي من البرازيل. وقد وضع هذا الاكتشاف البرازيل في قلب مناقشات مصدري الطاقة الرئيسية، وقد أدخلت البرازيل الائتمان الإستهلاكي بسرعة أكبر في إقتصادها، واليوم هي من أكبر خمسة منتجين للسيارات في العالم. وهي دولة تحمل أكبر إمدادات العالم من المياه العذبة، ولديها أكبر الغابات الاستوائية، والموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها تسمح للنمو الاقتصادي الهائل، فضلاً عن قاعدة صلبة لدعم ذلك.
ومنذ عهد الرئيس السابق «لولا دا سيلفا»، أصبحت البرازيل دولة مانحة رئيسية- تقود اتفاقيات في الأمم المتحدة للقضاء على الجوع، والقضاء على فيروس نقص المناعة المكتسبة، وضمان التنمية المستدامة وتوفير الإغاثة في حالات الكوارث وفي الوقت نفسه، فإنها وسّعت تجارتها مع جميع المناطق الرئيسية في العالم، ونوّعت أسواق التصدير وترسيخ العلاقات مع الشركاء التقليديين حول العالم، والبرازيل فريدة من نوعها كمانح دولي بنهج يختلف عن النهج الغربي التقليدي والنموذج الصيني وصندوق النقد الدولي، فالبرازيل لا تعلق أهدافها السياسية بالحصول على الموارد من المواد الأساسية كشرط للمساعدة، وتمنح المليارات في شكل قروض غير مشروطة تركز في الغالب على الأمن الغذائي والطاقة والقضاء على الأمراض والأوبئة والمساعدات التقنية، وهي من المانحين الدوليين من خلال الخبرة بدلاً من رأس المال وخاصة في القارة الأفريقية والمشاركة في تجربة تطوير تكنولوجيا الوقود الحيوي في البلدان النامية بصورة عامة.
كما ارتفعت أسهم البرازيل كقوة عظمى في عالم دبلوماسية الثقافة من خلال موسيقاها وكتابها ورياضتها وصناعة الإعلام والتلفزيون والسينما ومهرجاناتها وصناعاتها المتنوعة.
وبحلول عام 2050 ستكون البرازيل رابع أكبر اقتصاد في العالم، خلف الصين والهند والولايات المتحدة بعد تحرير اقتصادها وخصخصة المشاريع الحكومية (قامت بأكبر بيع للأسهم الحكومية في العالم، حيث باعت 70 ملياراً من أسهم شركة النفظ الحكومية بتروبراس في عام 2010) ونمو البرامج الاجتماعية والإقتصادية التمكينية ورفع الأجور الحقيقية لمعظم الطبقات الاجتماعية، مما أدى إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بين جميع القطاعات وزيادة توافر المنظومة الائتمانية للأفراد والمؤسسات، مما نتج عنه توسع في قاعدة المستهلكين والقوى الشرائية للإستمتاع بالمنتجات الممولة مثل الإسكان والسيارات وبدء مشاريع جديدة وظهور مجموعة مستهلكين تقدر أعدادهم بـ 40 مليون شخص، ونسبة الزيادة السنوية للمنظمين للطبقة الوسطى بالبرازيل يبشر بنمو متصاعد في مستقبل الإقتصاد البرازيلي.
وتعتبر كبرى الشركات في البرازيل بين الأكبر في العالم، فشركة «فالي» مثلاً هي أكبر منتج لخام الحديد في العالم، في حين تُصنف «بتروبراس» باعتبارها أكبر شركة في أميركا اللاتينية من حيث الإيرادات والأرباح، بجانب العديد من الشركات العالمية مثل AB InBev ومقرها بلجيكا كأكبر مصنع للمشروبات الروحية في العالم، وسلسلة شركة مطاعم «برجر كينج» ومقرها الولايات المتحدة، والتي تعد ثاني أكبر سلسلة مطاعم للوجبات السريعة في العالم، كما أصبحت البرازيل أيضاً سوقاً عالمية رائدة في كل شيء، من السيارات إلى الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، فالبرازيل تصنف بإعتبارها رابع أكبر سوق لمبيعات السيارات في جميع أنحاء العالم، وتحتل المرتبة السادسة حالياً كأكبر سوق لأجهزة الكمبيوتر. ومن المرجح أن تصل إلى المركز الرابع في العامين المقبلين، ومن حيث الهواتف اللاسلكية تحتل المرتبة الآن من بين أكبر الأسواق في جميع أنحاء العالم.
والبرازيل جاذب رئيسي للشركات والاستثمارات الأجنبية بطبيعة الحال، وبالإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي ومجتمع متعدد الثقافات وعدد سكان كبير ومعظمه من الشباب، وتحسن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، وإنخفاض نسبية التبعية الخارجية ووجود سوق إستهلاكية داخلية واسعة، لديها مساحة كبيرة، وموارد طبيعية هائلة، ناهيك عن الإكتفاء الذاتي من الطاقة، ووفرة مصادر الطاقة المتجددة والإستقرار الإقتصادي الكلي، ومخزون احتياطي جيد من العملات الأجنبية وعدم تدخلها في الصراعات الإقليمية والأوضاع الهيكلية الإيجابية لمنظومة الدولة، ومشاريع ضخمة لتطوير البنى التحتيتة في مختلف أنحاء البلاد، وشبكات مواصلات عصرية تربط كل أجزاء البرازيل مما يجعلنا نقول إن البرازيل قصة نجاح باهرة على الرغم من جميع الجوانب السلبية، مثل الفساد والبطالة والفقر والتضخم وإرتفاع تكاليف المعيشة وإرتفاع العبء الضريبي. فالبيئة الضريبية في البرازيل هي الأسوأ في أميركا اللاتينية، والأمر نفسه بالنسبة لتقديرات العملة وثباتها وتحسين التعليم وكفاءة القطاع العام.
ولدى المستثمرين الأجانب قلق كبير من أن البرازيل لا تزال اقتصاداً مغلقاً عندما يتعلق الأمر بتعزيز التجارة البينية ودور الدولة في الاقتصاد (التشريعات الأخيرة، مثل «قانون شراء البرازيل» ينص على تفضيل الشركات البرازيلية أو السلع المنتجة في البرازيل في المشتريات الحكومية)، وهي تحديات كبيرة، ولكن البرازيل تملك القاعدة المعرفية والكفاءات التي ستمكنها في النهاية من التغلب أو التعايش الإيجابي مع تلك المعوقات، وتقليل حجم التأثيرات السلبية الناتجة عنها، فإدارة التحديات والدراسات الاستشرافية التطبيقية مجال ستلمع فيه البرازيل خلال السنوات القادمة.
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=79441

قراءة 1187 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)