طباعة هذه الصفحة

قادة أمريكا اللاتينية يسيرون على خيط رفيع فى إطار لعبة «شد الحبل» بين السياسات الاقتصادية لليمين واليسار

الإثنين, 04 كانون2/يناير 2016 16:34

 

شهد العام الماضي فوز المعارضة اليمينية فى عدد من الانتخابات البارزة فى الأرجنتين وفنزويلا، فضلا عن اتخاذ إجراءات الاتهام بالتقصير ضد رئيسة البرازيل ديلما روسيف. وفى خلفية كل ذلك تكمن موجة من السخط العام ترتبط المصاعب الاقتصادية، مما يرجح صعوبة تجاوز أمريكا اللاتينية هذا الوضع، فى الوقت الذى تنحت فيه جانبا بعض حكوماتها اليسارية.
لقد مرت فترة طويلة على سطوع نجم الرئيسالبرازيلي السابق لويز اناسيو لولا داسيلفا فى سماء العالم، وظهور الراحل هوغو شافيز بقسمات وجهه القاسية واسلوب خطابه المناهض للرأسمالية في فنزويلا، وتبني نيستور كيرشنر في الأرجنتين الخط المنهض لأمريكا باستضافته قمة قضت على خطط إقامة منطقة تجارة حرة للأمريكتين.
لقد تغيرت الاحوال والظروف منذ ذلك الوقت.
شهد عام 2015 تراجعا واضحا لليسار فى امريكا اللاتينية، فقد أجريت في فنزويلا انتخابات تشريعية مؤلمة اتسمت بهزيمة نيكولاس مادورو الذى اختاره هوغو شافيز لخلافته فى المنصب، وفى الارجنتين خرج البيرونيون ذوى الميول اليسارية من السلطة تحت وطأة اقتصاد تسوده حالة من الفوضى ، فيما تواجه ديلما روسيف خليفة لولا داسيلفا اتهامات بالتقصير فى البرازيل.
هل الوضع الحالي يحمل إشارة على تحول نحو اليمين؟ ان الكثيرين من الخبراء يعتقدون أن أى ربط فى هذا الشأن ربما يكون عرضيا.
يقول مايكل شيفتر، من معهد «حوار الامريكتين» الذى يتخذ من واشنطن مقرا له لايوجد هناك تحول ايديولوجى، ان انتهاء فترة الازدهار الاقتصادي السلعى، وظهور فضائح الفساد تسببا فى تآكل شعبية الحكومات من مختلف الاطياف الايديولوجية، من الحزب الثورى المؤسسي فى المكسيك إلى حزب العمال فى البرازيل».
اذن هل هناك صلة لهذا الوضع بغياب القيادة القوية؟ لقد كان رئيس البرازيل السابق لولا داسيلفا (2011-2003) اكثر شعبية وقوة من ديلما روسيف، كما ان مادورو يكافح من اجل ملء الفراغ الذى خلفه شافيز(2013-1999 ) بعد وفاته متأثرا بمرض السرطان عام 2013.
مرة أخرى، لايبدو ان الامور تسير على صراط مستقيم.
يقول شيفتر «إن غياب القيادة القوية لايمثل كثيرا السبب وراء هذا التحول، بل يعود ذلك إلى عواقب المشاكل الاقتصادية والسياسية، لقد اصبح من الصعب ان تحكم هذه الأيام». ومضى شيفتر قائلا «على الأقل ..يرجع جزء من السبب وراء شعبية رؤساء مثل لولا فى البرازيل وشافيز فى فنزويلا إلى انهم تولوا الحكم فى اوقات شهدت نموا اقتصاديا مطردا، يغذيه ارتفاع اسعار السلع وتزايد الطلب، الامر الذى اتاح الفرصة للتوسع فى البرامج الاجتماعية، لقد قاد هؤلاء الرؤساء موجات مواتية وحققوا منافع سياسية «.
إن الاتجاه الحالي ليس مواتيا حاليا، حيث توقع صندوق النقد الدولي تراجع النمو الحقيقي للناتج المحلى الإجمالي لأمريكا اللاتينية «للعام الخامس على التوالي، ليتحول إلى نمو سلبي بشكل طفيف فى عام 2015، قبل ان ينتعش بصورة متواضعة عام 2016».
وقد اشار صندوق النقد الدولي فى تقرير اقتصادي إقليمي إستشرافي اصدره فى تشرين أول/ اكتوبر العام الماضي إلى انه»مع التوقعات الخاصة ببقاء اسعار السلع الاساسية عند مستوى متدن فى المستقبل المنظور، وتراجع فرص الاستثمار بشكل كبير، فإن احتمالات تحسن الإنتاجية تراجعت».
لقد أدت الازمات السياسية الحالية فى دول مثل البرازيل وفنزويلا والمصاعب الاقتصادية المزمنة- مع الاخذ فى الاعتبار معدلات التضخم العالية فى فنزويلا والأرجنتين- إلى زيادة الامور سوءا، حيث تسببت فى تقويض الثقة فى اقتصاديات هذه الدول.
ومع ذلك، فانه فى الوقت الذي تتسم فيه الكثير من مشاكل دول امريكا اللاتينية بسهولة تحديدها، الا انه من الصعوبة بمكان ايجاد الحلول لها بيسر.
ومع توقعات بقاء اسعار السلع عند مستواها المتدني لعدة سنوات، فانه ليس من المحتمل ان يؤدى تحول سياسي إلى اليمين، إلى نوع من النمو الذى يتطلع اليه الناخبون فى المنطقة.
وقد دعا صندوق النقد الدولى إلى اجراء تغيير فى السياسات ، بما فى ذلك السيطرة على أسعار صرف العملات فى الأرجنتين وفنزويلا، وطلب من البرازيل تعزيز سياستها المالية وتطبيق سياسة التقشف النقدى، ضمن أمور أُخرى.
لايزال يتعين معرفة ما إذا كانت الوصفات المحافظة قابلة للبقاء والصمود فى أمريكا اللاتينية اليوم ، حتى فى ظل حكومات تنتمى إلى يمين الوسط مثل حكومة رئيس الارجنتين الجديد ماوريشيو ماكري.
ومؤخرا حذر شيفتر من انه «ليس من المحتمل العودة المفاجئة إلى سياسات تقوم فقط على اساس السوق، حيث ان ذلك سوف يؤثر سلبا على الاستقرار الاجتماعي بل على الحكم».
ونشرت مجلة (إيكونومست) البريطانية تقريرا فى عددها الصادر فى 28 تشرين ثان/ نوفمبر الماضي جاء فيه «ليس من المحتمل ان تعود أمريكا اللاتينية إلى الماضي، لقد وضع اليسار قضية عدم المساواة على الاجندة الاقليمية، وانه موجود هناك ليبقى».
وقالت المجلة المعنية بالشأن الاقتصادي»إن هناك قضايا أُخرى ملحة بنفس القدر حاليا: العودة إلى تحقيق النمو الاقتصادي، الحكم النظيف ومعالجة جريمة العنف، إن لدى يمين الوسط فرصة للعودة إلى سدة الحكم من خلال الاعتماد على اخفاق اليسار فى انجاز هذه القضايا».
وسيحتاج قادة امريكا اللاتينية، حتى اولئك الذين يقفون على يمين الطيف الايديولوجي، إلى السير على خيط رفيع بين توقعات الناخبين التى تسببت فيها سنوات من النمو الاقتصادى المطرد وإعادة توزيع الدخل النسبية، وحقيقة ان مثل هذا النمو قد ولى منذ فترة طويلة، وليس من المحتمل ان يعود فى وقت قريب.
ويبدو ان الرئيس الأرجنتيني الجديد ماكري كان يدرك حجم الاعباء الملقاة على عاتقه، وهو يحتفل بليلة الانتخابات عندما قال»إنني هنا من أجلكم جميعا، لذا فاننى اطلب منكم عدم التخلي عني».
لذا، فإنه في الوقت الذى يمكن ان تحدث انتخابات هذا العام وفى المستقبل تغييرا سياسيا فعليا مع تعبير الناخبين عن سخطهم، الا انه ليس من المحتمل ان يشهد السيناريو الاقتصادي فى أمريكا اللاتينية تغيرات ملحوظة، وربما لاتكون تلك اخبارا سارة بالنسبة للكثيرين فى المنطقة.
بوينس ايرس – دب ا
http://www.alquds.co.uk/?p=459956

قراءة 1428 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)