طباعة هذه الصفحة

تعزيز عملية السلام في كولومبيا

الخميس, 31 آذار/مارس 2016 09:07

اليوم ليس هناك أي بلد لا يدعم عملية السلام في كولومبيا، والدليل على ذلك القرار المقدم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي وافق بالإجماع على البعثة الدولية للتحقق ومراقبة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
كولومبيا على وشك وضع حد نهائي لأقدم صراع مسلح مستمر في نصف الكرة الغربي، فبعد أكثر من خمس سنوات من المفاوضات مع القوات المسلحة الثورية في كولومبيا، يمكننا القول إننا وصلنا إلى مرحلة لا رجعة فيها، والتي من شأنها وضع حد لأكثر من 50 عاما من حرب قاسية ومكلفة. وقد حاول كل أسلافي السابقين على مدى العقود الخمسة الماضية إحراز السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية، أكبر وأقدم جيش حرب للعصابات في أميركا اللاتينية، لكنهم فشلوا كلهم في تحقيق ذلك، فلماذا نعتبر أن عملية السلام هذه ناجحة؟
قبل كل شيء تم التخطيط لهذه العملية بإتقان، وتم تنفيذها بعناية جيدة بعدما حققنا شروطاً معينة تضمن نجاحها. أولا، كان يجب علينا تغيير ميزان القوى العسكرية لمصلحة الدولة الكولومبية. ثانيا، كان علينا إقناع قادة القوات المسلحة الثورية في كولومبيا أنه من مصلحتهم الشخصية أن يدخلوا في مفاوضات جدية وأنهم لن يحققوا أهدافهم من خلال العنف وحرب العصابات.
وأخيرا وليس آخرا، قمنا بتغيير جذري في سياستنا الخارجية، مما أدى إلى حدوث تحسن في العلاقات مع جيراننا وبقية دول المنطقة، كما سهل هذا دعمهم لمبادرتنا، وبالتالي بداية عملية السلام.
لقد بدأنا مفاوضات سرية منذ ما يقرب من أربع سنوات، وذلك لإنشاء أجندة محدودة ومركزة وقواعد واضحة لجدول الإجراء (التي كان غيابها عثرة كبيرة في المفاوضات السابقة) التي من شأنها أن تسمح لنا بإنهاء الصراع، على افتراض أننا توصلنا إلى اتفاق، وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها القوات المسلحة الثورية الكولومبية بالموافقة على هذه العملية. وقد كانت نتائج هذه المرحلة تحتوي على أجندة من خمس نقاط: التنمية الريفية، والمشاركة السياسية، وتهريب المخدرات، والضحايا والعدالة الانتقالية، وأخيرا نهاية الصراع، والذي يتضمن نزع السلاح، والتسريح وإعادة الإدماج.
وعقب التوقيع على الاتفاقية بأوسلو في أكتوبر 2012، بدأنا المرحلة العامة من المفاوضات في كوبا، وقد حضر البلد المضيف والنرويج بوصفهما ضامنين، في حين أن فنزويلا وتشيلي قاما بمواكبة العملية، ولاحقا عينت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مبعوثين خاصين للمحادثات. ومنذ البداية كانت القاعدة الأساسية للمفاوضات ألا يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء، لحد الآن قمنا بتسوية كل العناصر ما عدا نزع السلاح، التسريح وإعادة الإدماج، ولتجنب أخطاء الماضي درسنا أسباب فشل مفاوضات السلام السابقة في كولومبيا، فضلا عن أخذ دروس من مفاوضات السلام في أماكن أخرى.
وقد اخترنا أيضا مجموعة من المستشارين الدوليين من ذوي الخبرة العملية في مجال صنع السلام لمساعدتنا في التنقل عبر الأمواج الصعبة لهذه العملية، ويمكنني الآن القول إن صنع السلام هو أصعب بكثير من شن الحرب، فقد عملت كوزير دفاع كولومبيا والآن كرئيس للجمهورية، وقمت بتنفيذ كلا المهمتين على أكمل وجه. وتعد عملية السلام هذه ثورية بكل المقاييس، لقد وضعنا نظاما شاملا لضمان حقوق أكثر من 7.5 ملايين ضحية، كمفتاح لإيجاد حل للصراع، كما اتفقنا على إنشاء هيئة قضائية خاصة ومحكمة لضمان محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب الدولية وإدانتهم والتحقيق معهم، كما هو منصوص عليه في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها حركة حرب العصابات بالموافقة على نزع سلاحها وبالخضوع للعدالة الانتقالية.
إن السلام في كولومبيا سيجلب فوائد حقيقية لعالم يعج بالصراعات المسلحة وسيجعلنا نتوق إلى تحقيق النجاح، وعلى الرغم من أنها الدولة التي دفعت أعلى تكلفة في الحرب على المخدرات، وهي الحرب التي ثبت أنه من المستحيل الفوز فيها، فنحن ما زلنا أكبر بلد مصدر للكوكايين في العالم، ويرجع هذا الواقع غير المستساغ أساسا إلى المقاتلين، الذين واصلوا حماية المصدر الرئيس للدخل.
إن السلام سيغير هذا الواقع؛ لأن القوات المسلحة الثورية الكولومبية وافقت على المساعدة في استبدال إنتاج الكوكايين بالمحاصيل القانونية، ودون خطر وقوع هجوم من الثوار يمكن لجنودنا البواسل ورجال الشرطة القيام بعملهم دون تهديد القناصة أو الألغام الأرضية. ومن حيث البيئة فقد انتشرت كمية من النفط في أنهارنا ومحيطاتنا عن طريق الهجمات الإرهابية على خطوط الأنابيب الخاصة بنا، والتي تقدر بأكثر من أربعة ملايين برميل على مدى العقدين الماضيين، وهو ما يعادل 14 ضعفا لحجم تسرب النفط في إكسون فالديز بولاية ألاسكا، وعلاوة على ذلك، وفي بلد لديه أغنى تنوع بيولوجي في العالم في الكيلومتر المربع الواحد، دُمر ما يناهز 4.4 ملايين هكتار من الغابات المطرية بسبب الصراع، كل هذا يمكن وقفه، وآمل عكس ذلك أي تنميتها، مع نهاية الصراع.
ولذا فنحن الكولومبيين محظوظون بالاستفادة من دعم المنطقة والعالم، واليوم ليس هناك أي بلد لا يدعم عملية السلام عندنا، والدليل على ذلك القرار المقدم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي وافق بالإجماع على البعثة الدولية للتحقق ومراقبة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
وعلى الرغم من المفسدين التقليديين، معظمهم على صلة بالوضع الداخلي وكثير منهم يعارضون العملية لأسباب سياسية، فأنا واثق من أننا سنضع هذا الصراع في المكان الذي ينتمي إليه في كتب التاريخ، وإن إعادة تشكيل الواقع من حولنا هي واجبنا تجاه الأجيال المقبلة، فعندما نصل إلى اتفاق، ونتوقف عن قتل بعضنا بعضا بعد نصف قرن من الحرب، سنقوم بإزالة عبء ثقيل يعرقل تقدمنا، وسنتمتع أخيرا بالفرصة لكتابة فصل جديد من الازدهار والحداثة لبلدنا.
* رئيس جمهورية كولومبيا.
«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»
http://www.aljarida.com/news/index/2012808256/%D8%AA%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A8%D9%8A%D8%A7

قراءة 1038 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)