طباعة هذه الصفحة

المكسيك .. أي مستقبل لرئيس يساري في زمن اليمين

الإثنين, 09 تموز/يوليو 2018 15:16

09/07/2018
تعددت الأسباب التي تجعل بلدا في حجم المكسيك مجهولا في العالم العربي، لعل أبرزها الحرص التاريخي لهذه الأخيرة على البقاء محايدة في الصراعات الدولية، باستثناء الحرب العالمية الثانية. موقف دفع بعض الأحزاب السياسية في السنوات الأخيرة إلى المطالبة بتعديل الدستور قصد السماح للقوات المسلحة المكسيكية للمشاركة في مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
تعتبر المكسيك إحدى أعرق الجمهوريات، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1813، لكن حصولها على الاستقلال السياسي عن التاج الإسباني لم يتحقق إلا بعد مضي ثماني سنوات؛ أي عام 1821، ما جعلها في المرتبة 13 من بين الدول المستقلة في العالم. وتأتي على رأس قائمة 20 دولة الناطقة بالإسبانية، وأكثرها اكتظاظا من حيث السكان بمجموع 123 مليون نسمة.
قاريا تحتل المرتبة الخامسة كأكبر البلدان من حيث المساحة، وهي ضمن الدول الممثلة للقارة الأمريكية في مجموعة العشرين إلى جانب البرازيل والأرجنتين وكندا والولايات المتحدة. وواحدا من أكثر البلدان في العالم إنفاقا على السياحة، اعتبارا لترتيبها الخامسة عالميا من حيث عدد مواقع التراث العالمي لليونسكو البالغة 31 موقعا.
يعترف المعهد الوطني للغات الشعوب الأصلية في المكسيك بوجود 68 مجموعة لغوية، و 364 شكلا مختلفا من لغات السكان الأصليين التي نالت منذ صدور القانون العام للحقوق اللغوية لثقافات الشعوب الأصلية منذ عام 2003، صفة لغة وطنية على قدم المساواة مع الإسبانية في مجتمع المجالات.
يقف الباحث في شؤون هذا البلد على أن التعقيدات التاريخية التي امتزجت فيها الخصوصية المحلية للشعوب الأصلية بأزيد من ثلاثة قرون من هيمنة الاستعمار الإسباني، أرخت بظلالها على حاضر الولايات المكسيكية المتحدة المبني على أساس نظام رئاسي، وفقا لدستور عام 1917، الذي يحدد ثلاثة مستويات من الحكومة: الاتحاد الفدرالي وحكومات الولايات والحكومات المحلية.
عاد هذا المزيج من التركيب إلى واجهة الأحداث، بداية الشهر الجاري عقب إجراء الانتخابات الرئاسية لاختيار الرئيس الثامن والخمسين في تاريخ البلاد. إذ أظهر المكسيكيون فعلا أنهم يشكلون الاستثناء في القارة الأمريكية، فمنذ نهاية القرن العشرين، مالت أمريكا اللاتينية إلى اليسار، سواء المعتدل في البرازيل والأرجنتين، أو الراديكالي الاجتماعي في كل من فنزويلا وبوليفيا، ونسبيا في الإكوادور والأوروجواي.
لكن الأوضاع السياسية بدأت تتغير في السنوات الثلاث الأخيرة، مع فقدان اليسار بريقه أمام الناخبين، وتقدم اليمين المحافظ المرتبط بواشنطن في استعادة الحكم، مثلما حدث في الأرجنتين والبرازيل والتضييق الكبير على دول ما زالت يسارية، مثل فنزويلا وبوليفيا،
لم تلق صدى لها في الولايات المكسيكية الـ 31 التي اختار مواطنوها في الانتخابات الأخيرة، الذهاب عكس مجرى التوجهات اليمينية التي تشهدها القارة الأمريكية، حيث جنحت المكسيك نحو اليسار الذي سطع نجمه ولأول مرة منذ عقود من مكسيكو، عقب انتخاب لوبيز أوبرادور عن حزب حركة التجديد الوطنية "مورينا" الذي حصل على أكثر من 53 في المائة من أصوات الناخبين في الاقتراع.
قرار المكسيكيين الرهان على اليسار هذه المرة، كان له وقع خاص في واشنطن التي تشترك مع المكسيك في 3100 كيلومتر من الحدود، ومصالح سياسية واقتصادية عميقة، فالتبادل التجاري بين البلدين وصل سنة 2017 إلى 557 مليار دولار. ففي الوقت الذي تستعيد فيه أمريكا زمام المبادرة والتحكم في الدول التي تعتبرها حديقة خلفية لها، تقرر المكسيك المحسوبة عليها تاريخيا الخروج من حلفها.
إبان الحملة الانتخابية رفع أوبرادور عمدة مكسيكو سيتي الأسبق السقف عاليا، حين وعد بـ"مكافحة الفساد" و"اقتلاع المافيا من السلطة" و"تخفيض رواتب الموظفين" و"تخفيف البروتوكول الرئاسي". إنه نموذج مثالي من الوعود قطعها من قدم نفسه للمواطنين كأحد المرشحين الأكثر تواضعا، لدرجة أن شريحة كبيرة من المجتمع المكسيكي مقتنعة بأنه و"للمرة الأولى سيكتب التاريخ لمصلحة الفقراء".
إن إضافة هذه الوعود إلى قائمة تحديات الرئيس الجديد من قبيل ثني ترمب عن إلغاء اتفاق التبادل الحر لأمريكا الشمالية، وفرض معالجة موضوعية لقضية الهجرة غير الشرعية من أمريكا الوسطى إلى غيرها من الملفات الحارقة. يكشف أن مهمة الرجل لن تكون قطعا سهلة، وأن المكسيكيين ربما أخطأوا الموعد مع التاريخ، بقرارهم إسناد مهمة تحقيق أحلامهم إلى يساري، في زمن يشهد انتكاسة لليسار في مهده.
كيف السبيل إلى تحقيق هذه الوعود في بلد يعيش على وقع العنف، الذي اشتدت وطأته في الحملة الانتخابية الأخيرة التي اعتبرت الأكثر دموية في تاريخ المكسيك، حيث شهدت اغتيال 145 سياسيا على الأقل، بينهم 48 مرشحا أو شخصية كانت تنوي الترشح.
ربما يكون تصويت المكسيكيين لصالح أوبرادور مجرد انتقام من الطبقة السياسية الغارقة في أتون الفساد الإداري والمالي وفقدان المصداقية، أكثر من بحث عن بديل حقيقي قادر على تغيير أوضاع معقدة تعيش على وقعها البلاد منذ عقود خلت.
نعم إن الرهان على أوبرادور أشبه بما فعله الأوروبيون حين صوتوا لصالح أحزاب يسارية راديكالية في إسبانيا واليونان، أو على حركات قومية مثل الجبهة الوطنية في فرنسا، أو التصويت لصالح إيمانويل ماكرون لرئاسة البلاد، بل وحتى تصويت الأمريكيين على دونالد ترمب لأنه مختلف عن المرشحين الكلاسيكيين للحزبين الديمقراطي والجمهوري.
كل ما سبق قد لا يعدم الحيلة بيد الرئيس الجديد إن كان ذكيا في اللعب بما لديه من أوراق على قلتها، فتبني مطلب بعض الأحزاب بتعديل الدستور لتجاوز الحياد في الساحة الدولية، يفتح الباب أمام أوبرادور لنهج سياسة تضع المكسيك في الخريطة الدولية، وتنطلق أساسا من تطوير العلاقات مع روسيا والصين، لأن هذا الانفتاح على الغريمين التقليديين "روسيا والصين" يبقى السبيل الوحيد لجعل واشنطن تحترم المكسيك.
http://www.aleqt.com/2018/07/09/article_1416926.html

قراءة 803 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)