دبلوماسية العلم: أداة الاستكشاف والتعاون الدولي

الخميس, 06 أيلول/سبتمبر 2018 09:27

 ترجمة ثائر طاهر فاضل

المصدر : منظمة الدول الايبيروأمريكية للتربية والعلم والثقافة

من إعداد الباحثة : ألسا بياتريس اسيفيدو بينادا

الدراسة متوفرة باللغة الإسبانية على الرابط التالي:

http://www.oei.es/salactsi/acevedo34.pdf

---------------------------------------------------------------------------------

 

 

جَسّدَ تطور دبلوماسية العلم إلى جانب الدبلوماسية السياسية والتجارية والثقافية التقليدية في بلداننا تحدياً جديداً ومثيراً للاهتمام حيث شكل جزءً مهماً من استراتيجيات التعاون الدولي في مجال التطور التكنولوجي العلمي فعلى الرغم من الظهور المتأخر لدبلوماسية العلم في ميادين العلاقات الدولية ألا أنها تشكل أحدى الأدوات ذات القيمة الكبرى المضافة في عملية دمج قدراتنا العلمية والتكنولوجية ضمن أطار عولمة التكنولوجيا الحالية، إذ تختلف أشكالها ومضامينها واستراتيجياتها وبرتوكولاتها في كل بلد لكن تظهر ملامحها كعنصر أساسي في كل من البرامج الوطنية للعلم والتكنولوجيا والابتكار فبالإضافة إلى كونها تحدياً ألا أنها بدون شك تشكل إستراتيجية قيمة في عملية الاندماج الدولي كذلك تشكل آلية مناسبة وتنافسية في مواجهة السيناريوهات العالمية الجديدة في عملية أدارة المعرفة.

 

في خضم التباينات الدولية العميقة وانهيار النماذج الفاشلة إضافة إلى الحاجة الملحة إلى التحولات الهيكلية الذاتية جميعها التغييرات تقترب من بلداننا وخصوصاً في مجال العلم والتطورات التكنولوجية والتي بفضلها لن يبقى فضاءنا الأمريكي اللاتيني على حاله بمقتضى تسارع حركة المعرفة وتحدياتها التنافسية على المستوى العالمي، في هذه الظروف فأن مسألة بناء المجتمع المعرفي الحقيقي تعد بمثابة تحدياً مهماً لنا في مجال القدرة الخلاقة والتي يجب أن تعتمد على النتاج العلمي والتكنولوجي ذو الطابع الذاتي انسجاماً مع التحولات العميقة التي تتطلبها أمريكا اللاتينية كجزء جوهري وأساسي في عملية تطورها الحالي، كذلك ينبغي ملاحظة وتحليل تطور دبلوماسية العلم كأداة للابتكار في نطاق السياسات الإقليمية للعلوم والتكنولوجيا تماشياً مع كل سياق اجتماعي وثقافي ومحاولة موائمتها مع خصوصيات كل دولة.


وفي هذا السياق يجب علينا إدراك تعدد العوامل التي تلعب دوراً في التأثير الملحوظ في عملية تطور دبلوماسية العلوم كجزء مهم من العلاقات الدولية لكل دولة وتبعاتها السياسية لتدويل العلم والتكنولوجيا، لذا يعد من المهم جداً أدراج العناصر المدرجة في أدناه بالإضافة إلى أمور أخرى ضمن قائمة الأفكار الخاصة بتلك الدبلوماسية:
1- عمليات واستراتيجيات التدويل.
2- دور التعاون العلمي.
3- نقاط قوة شبكات المعرفة.
4- مصادر التمويل.
5- القدرة على الإدارة والتفاوض.
6- دور المعرفة الداخلية.
7- نقاط قوة البنى التحتية العلمية والفنية.
8- دور المعرفة وقوتها العملية لكل سياق.
9- حركة النظام العلمي الدولي.
10- قنوات نقل التكنولوجيا.
11- استراتيجيات التكامل الإقليمي.
12- نقاط قوة كل نظام وطني للعلوم والتكنولوجيا والابتكار.
13- تدريب المواهب البشرية وقوتها التنافسية.
14- نقاط قوة الأوساط العلمية وشبكات التفكير الاستراتيجي.

 

تشكل دبلوماسية العلم بخصائصها وديناميكية عملها تحدياً لكل مجتمع كونها تضع على المحك قدرتها في الانخراط في عالم تهيمن عليه المعرفة وكذلك تعمل على تصميم استراتيجيات التفاوض التي لم تعد تستند على المنتجات الطبيعية بل تعتمد على تطور العلم والتكنولوجيا من خلال قدرتها الذاتية باعتبارها ميزة تنافسية حقيقية، وبالطريقة ذاتها سيكون من الضروري تنفيذ أجندات علمية وتكنولوجية تؤدي إلى تبادل متساوي على الصعيدين الإقليمي والدولي ولتحقيق ذلك يعد من المهم إشراك الدولة بالإضافة الى مؤسسات وجامعات عديدة ومجاميع ومراكز التطوير البحثية والتكنولوجية وشبكات المعرفة ومراكز الباحثين وأصحاب المشاريع والفرص والنشر لتقديم العلم كنتاج اجتماعي مهم وكآلية مناسبة للتكامل الاجتماعي والثقافي بين الأمم.

 

وفي هذا الصدد فان البحث عن أجندات ومواضيع محورية وإمكانيات مشتركة سيصبح بمثابة خارطة طريق للأنشطة المهمة والإداريات والمفاوضات في الوقت الذي نواجه فيه تحديا يتمثل في التفاعل مع التكتلات الاقتصادية و منتجي المعرفة غير المحدودين إضافة إلى خصخصتها ونموها المتزايد. بدون أدنى شك إن احد العوامل الأكبر تعقيداً لتطوير دبلوماسية العلم يتمثل في عدم الاستقرار الوطني والقاري ففي حالة كولومبيا يسود انعدام الأمن يضاف إليه عدم المصداقية على الصعيد الدولي نظراً لأبعاد الصراع المسلح وسمعتنا في الميدان العالمي المتعلقة بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان والعصابات وتجارة المخدرات للميليشيات والمنظمات شبه العسكرية ذات الصلة بالسياسيين والاغتصاب واليأس بسبب الحرب التي يبدو انه لا نهاية لها، لذا فمن الطبيعي تحت هذا الوضع الحرج أن تشهد مسالة تطوير العلم والتكنولوجيا ركوداً قوياً وانتكاسة كما يؤكد ذلك خبراء عديدين لكن في الوقت ذاته فان المحنة التي تضرنا يجب أن تقودنا للبحث عن استراتيجيات دبلوماسية دولية شاملة الأمر الذي يجبرنا بالضرورة على توجيه الجهود العلمية والتكنولوجية سواء في حالة السلم المجتمعي في البلد أو فيما يتعلق في عمليات التنافس العالمي.

 

وفي الطريقة ذاتها فان أهمية تقييم جانبا ما لا يجب أن يكون اقل أهمية وحساسية عن الجانب الأخر لان هناك علاقة بين متطلبات رأس المال البشري المكرسة للأعمال الخاصة بدبلوماسية العلم الأمر الذي يتطلب معرفة عميقة ليس فقط في مسالة تطور علمنا بل يتعداه إلى معرفة الظروف التي يتم فيها انتاج المعرفة وإضفاء الطابع الاجتماعي على واقعنا الوطني المتنازع، إضافة إلى ما سبق ذكره فان الجهود المرتبطة بدبلوماسية العلم تستلزم السرعة والعجالة والكفاءة في الإجراءات البروتوكولية لان الحلول الضمنية في المفاوضات المعرفية لا يسعها الانتظار وهذا ما يتعارض مع وضعنا الحقيقي الذي تسوده الخطابات الرنانة والمزين بنظريات حسن النوايا لكن للأسف يفتقر للأفعال لذلك يجب ان تكون الأجندات الدولية في مجال العلوم في أيدي خبراء حقيقيون وباحثون في مختلف ميادين المعرفة لإدارتها وتوجيهها لهشاشة وأهمية هذا النوع من المفاوضات إضافة إلى درايتهم الضمنية بتلك الأمور، ولا احد سواهم يستطيع إدراك مقدار القيمة الاجتماعية للبحوث العلمية والتطورات التكنولوجية في ظل بعض الحالات المعقدة مثل الالتزامات المالية لذا يجب استشارة موظفين مؤهلين في مسائل الميزانية.

 

هناك جانباً أخراً مهماً لدبلوماسية العلم يتمثل في الحاجة الماسة لتعزيز قطاع جديد ضمن إطار السياسة الخارجية ويتألف ذاك القطاع الجديد من هيئة مؤهلة بشكل عالي من علماء وباحثين قادرين على انجاز مهام الاستشارة والتوجيه وتوفير الدعم للكادر الدبلوماسي المعتمد في الخارج، وبصراحة فأن الدبلوماسي المحترف البعيد عن التطور العلمي والتكنولوجي والبعيد عن مهام تشكيل شبكات المعرفة بالإضافة إلى مهمة تطوير الإدارات العلمية فان ذلك يُعد هروباً من تدريبه النظري والعملي ومن الكثير من القضايا ذات الصلة بمجال يجهله تماماً، وبهذا الصدد تطرح أسئلة عديدة منها: من هو ألأكثر التزاماً في العالم بمجال تطوير المعرفة وأدراجها الدولي؟، ومن هو أفضل من يستطيع أدارة العملية التفاوضية في الفروع الحساسة الخاصة في مجال التطوير العلمي والتكنولوجي؟. بدون الخوض في هذه المسألة المعقدة جداً نعتقد إن تحقيق نقطة توازن في هذا الصدد يتطلب تعزيز العلاقات بين العلم والاقتصاد والسياسة والمجتمع والمشاركة العامة وخلق مسؤوليات مشتركة بهذا الصدد لمتابعة عمليات التفاوض والتبادل العلمي والتكنولوجي الدولي والذي يعد امرأ ضروريا لضمان استمرار الاتفاقيات الدولية التي تقدم المعرفة الأصلية من خلال دبلوماسية العلم. انطلاقا مما تقدم فان دبلوماسية العلم تخدم نشاطاً معقداً ومتعدد التخصصات فبالإضافة إلى البرتوكولات الخاصة بكل عملية تفاوضية فإنها تتضمن توفير لقاءات مادية بين الجهات الرئيسية الفاعلة في المعرفة والمجتمعات البحثية الاجتماعية التي تصوغ الإنتاج العلمي والتكنولوجي لكل جنسية.

 

في السياق ذاته تكمن الأهمية في إنقاذ القيم الذاتية لمعارفنا المحلية والتي تمثل الحاضنة لحلول لا حصر لها لمشاكل عامة بالإضافة إلى أنها تمثل المعارف التي أدرجت في التكنولوجيا المحلية والتي اليوم تحظى باهتمام ليس فقط الشركات العابرة للحدود بل العلماء والباحثين الاجتماعيين في مجال العلم في بلدان مختلفة، في ظل الظروف الراهنة فان دبلوماسية العلم تواجه تحديات ومهام لا حصر لها تلبي وتتجاوب مع خطة اجتماعية أكثر مما هو إستراتيجية سياسية ومع ذلك فان هذا المنتج الاجتماعي يتطلب عملا سياسيا لوضعه في العمل والذي من الوهلة الأولى يبدو عليه التناقض ولكنه في النهاية يمثل حالة تكاملية. الأمر الذي يطرح أمامنا تساؤلاً عن صيغة والية إدراج القطاع العلمي ضمن الأنشطة الخاصة بدبلوماسية العلم والذي سيقودنا بشكل لا مفر منه إلى حالة جدلية أخرى كما سنرى لاحقاً.


بدأنا بسؤال رئيسي هو كيف نمضي قدما صوب المستقبل وكل بلد لديه مشكلة تتجلى بين العلم والسلطة؟ خصوصاً في ظل الوقت الذي تشهد فيه أمريكا اللاتينية ظهور توجهات جديدة وقوية صوب التفكير النقدي؟ في الحقيقة تظهر تصورات عديدة حول الموضوع ومن الواضح أن جميعها تنطلق من نوايا أن تكون تلك التصورات صحيحة وعليه فان الفعل البسيط لحث الطبقة السياسية على اتخاذ القرارات العلمية يبدو غريباً للبعض كما هو عليه الحال بالنسبة لمن يرى الغرابة في مشاركة القطاع العلمي والبحثي في الأنشطة الخاصة في التفكير السياسي، كما وانه تزداد الحاجة يوما بعد يوم إلى التقارب بين كلا الطرفين (العلم والسلطة) إذ يتحتم على العلماء إيجاد القنوات المناسبة لنيل التقارب مع الطبقة الحاكمة علماً إن المهمة ليس بالسهلة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار من الناحية التقليدية إن القطاع العلمي والتكنولوجي يعد تراثاً يقتصر على الحياة الأكاديمية والجامعية كما لو انه لا يمت بصلة إلى الحياة الوطنية عندها يجب على القطاع العلمي إن يأخذ بزمام الأمور للتقارب مع الطبقة السياسية وذاك ليس بالسهل لان المبادئ والأهداف ستكون متباينة لكن العلماء لديهم القدرة الكافية لإقناع الطبقة السياسية بأهمية اتخاذ القرارات ذات الفائدة العلمية للبلد. بالإضافة إلى ذلك يجب الاعتراف بالقيمة الكبيرة التي تشكلها المشاركة المباشرة للقطاع العلمي والبحثي في الأنشطة الدبلوماسية خاصة مشاركة أولئك المختصين والاستراتيجيين ومديري العلوم ذوي الخبرة الواسعة في مجال الإدارة العلمية الدولية.


تعمل الدبلوماسية العلمية على تحويل التحديات العالمية إلى فرص تنافسية واسعة لكل مجتمع من مجتمعاتنا حيث تدخل أفضل ما متاح من التنمية العلمية التكنولوجية المحلية إلى محافل السوق العالمية للمعرفة الأمر الذي بدوره يتطلب وجود مهارات تفاوضية واسعة وتنسيق وإدارة إستراتيجية في مجال الطلب والعرض، كما يستلزم مقدماً وجود معرفة عميقة عن التطور العلمي والتكنولوجي لكل بلد وفي كل منطقة من مناطقه بما في ذلك سياساته واستراتيجياته بالإضافة الى تصورات كل نظام وطني للعلم والتكنولوجيا والابتكار وحالة كل قطاع علمي وبحثي ونوعية وكمية الموارد البشرية المؤهلة وقيمة ثقافته العلمية الوطنية وخصوصياته الإقليمية وإمكانياته الكامنة، ويمكن تحديد الإمكانيات الخاصة بكل بلد من خلال الكشف الاجتماعي الثقافي العميق لكل منطقة بشكل خاص ولكل بلد بشكل عام ولا يشتمل الأمر على الجوانب الملموسة والكميات القابلة للقياس في السوق التكنولوجية بل يشمل أيضا التراث الثقافي الذي يصاحب عملية الإنتاج المعرفي، وعليه ضمن هذا الإطار فان الحقائق الواقعية والخصوصيات الدولية والإقليمية والوطنية تشكل جزء دقيقاً من أجندات التفاوض والتبادل العلمي والتكنولوجي وان الحالة الكولومبية تعد مثالا حياً على القضية كونها تعد بالنسبة لكثيرين عاملاً محدداً لعملية التدويل العلمي.

 

في السياق ذاته فمن ضمن المهام التي يجب تطويرها داخل السفارات والقنصليات المعتمدة في الخارج تشكيل قاعدة علمية وتكنولوجية واسعة في مجالات مهمة جدا منها:
- التغيير المناخي.
- الهندسة الطبية الحيوية.
- الهندسة الالكترونية.
- الملكية الاجتماعية للمعرفة.
- الأمن الغذائي.
- التعليم العلمي.
- الأخلاقيات العلمية.
- البحوث في مجال الصحة والوقاية من الأمراض.
- التكنولوجيا الإحيائية.
- المخاطر العلمية التكنولوجية والوقاية منها وإدارتها.
- الإدارة والتخطيط الاستراتيجي للبحوث.
- التدريب على الإدارة العلمية.
- الابتكارات التكنولوجية.
- التكنولوجيا المناسبة والمعارف المحلية.
- التكنولوجيا البديلة.
- التنوع البيولوجي والموارد الوراثية.
- الهندسة الإحيائية.
- السلامة البيولوجية العالمية.
- الإرهاب البيولوجي.
- هروب العقول.
- المؤشرات العلمية والتكنولوجية والابتكارية.
- الشبكات الافتراضية للمعرفة.
- التكنولوجيا والمعرفة والتنمية الجديدة.
- التنمية الذاتية.
- التجارة الإحيائية.
- التكنولوجيا النانوية.
- العولمة والاستقلال العلمي والتكنولوجي.
- النزاعات الاجتماعية البيئية.
- الخصخصة والجغرافيا السياسية الجديدة للمعرفة.
- اتجاهات المعرفة والتعاون الدولي.
- التفاوض على المشاريع العلمية والتكنولوجية.
- تطوير العلم والتكنولوجيا ضمن السياقات الوطنية.
- أهمية طرائق المعلومات السريعة والاتصالات.


مما لا شك فيه ان لا السياسيين ولا حتى المشرعين يدركون أبعاد حجم التعقيد في التطورات العلمية والتكنولوجيا لذا تبرز حينها شخصية صاحب العلوم كمستشار وخبير استشاري مميز ويعد بمثابة اليد اليمنى لهم لكن بالوقت ذاته صاحب العلوم لن يكون مهيمناَ على جميع المجالات العلمية مما يتحتم عليه أن يستشير شبكات الخبراء وجماعات المراكز البحثية في كل القضايا وان يحافظ على اقامة علاقة قوية مع الجامعات والقطاعات الإنتاجية والمؤسسات الحكومية معززاً معهم شبكات المعرفة، وهذا ما يؤكد الطابع الاجتماعي للإنتاج العلمي وما يترتب عليه من تطورات تكنولوجية، أن النسيج الاجتماعي المعقد المتضمن الحراك والنقل والنشر والملكية للمعارف يعمل بطابع إجماع أنساني على خدمة الممارسات العلمية الملائمة لكل واقع تاريخي محدد والذي في المقام الأول لا يستبعد التفكير الاجتماعي السياسي الذي يلقي بضلاله على السياقات الوطنية ويترك أثرا على جميع النشاطات المتعلقة بالسلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى ما سبق ذكره يوجد ما يطلق عليه " الحاجز التواصلي" وهي تسمية يطلق عليها بطريقة أخرى "ما بين العلم والسياسة". وبهذا الصدد يعد العالم الشخص المعالج للرموز التي لا يمكن اختراقها من قبل البشر والتي تعد مفهومة فقط بين الأوساط العلمية، مع ذلك بعض العلماء يدخلون عالم السياسية بسلطة وملكية معترف بها.

 

في قضية العلم ومراحل تطوره، فأنه من الواضح في بلدان مثل كولومبيا تجد الطبقة السياسية نفسها في موقف ضعيف أمام القطاع العلمي، وكذلك القطاع العلمي يجد نفسه في موقف ضعيف في مجال التشريعات واليات سلطة اتخاذ القرار أمام كل حكومة تمتلك فيها الطبقات الحاكمة سلطة كاملة وصوت ولهذا السبب فان التحالف الاستراتيجي بين العلم والسياسة يفرض طابعاً ذا أولوية يضع في الحسبان إن جزءا كبيرا من القرارات العلمية تنتهي بطابع سياسي.


هناك جانب أخر مهم جداً في دبلوماسية العلم يكمن في مصداقية الفاعلين واللاعبين الأساسين، المقصود بهم العلماء والباحثين من جهة ومن جهة أخرى الطبقة السياسية المتمثلة في الملحقين والمستشارين المعتمدين في الخدمة الدبلوماسية، وان تلك المصداقية تعتمد بشكل واضح على المعرفة وملكيتها وعمقها إزاء المشاكل المحددة التي تتطلب التسابق العلمي لإيجاد لحلول لها، إزاء هذا الوضع والنحو المراد وصفه تقفز أمام أنظارنا حاجة ملحة لإشراك العلماء في الخدمة الدبلوماسية ويكونون عاملين ضمن تقسيم اجتماعي مهم في العمل إلى جانب القناصل والسفراء وفي كافة مفاصل الهيئة الدبلوماسية وان الجوهر من هذه التجربة المهمة والغنية هو توسيع وتعزيز الجبهات الدبلوماسية والخدمية في الخارج.

 

فيما يتعلق باليات أدراج العلم والسياسة والدبلوماسية فعلى الرغم من عدم وجود وصفة سحرية لذلك لكن ممكن إن يكون الانفتاح العقلي بداية جيدة لكلا القطاعين اللذان يسعيان إلى البحث عن رؤى موحدة في ظل التنوع والقصد لكل منهما انطلاقاً من قاعدة إن كل منهما مكملاً للأخر، ومن ناحية أخرى فان الحاجة إلى إيجاد استراتيجيات التدويل تكون عبر إدخال مستشارين علميين في الخدمة الدبلوماسية لكل بلد وهنا تكمن أهمية المستشارين العلميين كما أكدنا على ذلك من قبل.


من المؤكد انه في بعض الأحيان العلم والسياسة لا يتماشيان معاً بل ممكن إن يصل الحال بهما إلى صدامات ذات طبيعة أيديولوجية وهذه كلها مخاطر يعد من الضروري التعامل معها بطريقة ذكية وديمقراطية، أمام كل ما ذكر يتوجب على الدبلوماسي إن يشكل الدعم الأساسي للمعرفة من خلال إدارة شفافة وحازمة وكذلك يتوجب على العالم بدوره إن يضطلع بالأمر بكل صلابة ويجب عليه مواصلة الخطوات والإجراءات التي تمس العلم والابتكارات التكنولوجية على المستوى الدولي، على الرغم من التباين والاختلافات الضمنية في العلاقات بين العلم والسياسة في ظل الظروف الراهنة في أمريكا اللاتينية يفرض على دبلوماسية العلم إن لا تكتفي في ترسيخ فضاءات التفكير في موضوع العلم والتكنولوجيا بل العمل على تطوير روابط التعاون والتكامل المستدام.


نظرا للأسباب المشار إليها آنفاً والتي تستند إلى الحقائق الواقية على مستوى القارة نرى إنه من متطلبات إناطة المسؤولية إلى أولئك القائمين على عمل وإدارة الدبلوماسية العلمية احتواء ملفاتهم على مواصفات وسمات خاصة بهدف تمكينهم من مواجهة المشكلة الرهيبة الناشئة عن البيروقراطية غير الفعالة والتي تشوه الإجراءات بسبب الجهل التكنولوجي، وبالنتيجة فان عملية بناء مجتمعات أكثر توازناً وتصميم استراتيجيات علمية وتكنولوجية ذات ترابط متعدد القوميات يتطلب فريق أنساني ذو تأهيل عالي قادر على بناء نسيج من العلاقات الدولية مبنية على القيمة الاجتماعية الثقافية للمعرفة، إذ انه بالإضافة إلى الإجراءات الخاصة بإدارة المشاريع وتعزيز الشبكات وجميع الإجراءات المتعلقة بإدارة مشاريع البحوث والتقييم للمعارف المحلية وكذلك تعزيز الشبكات بين العلماء ورجال الأعمال والجامعات ومركز البحث والتطوير والابتكار ومن بينها ملكية المعرفة يتحتم التوجه إلى التعزيز المستدام لشبكات المعرفة الافتراضية الملائمة لكل مجتمع.


في الواقع إن عملية إنشاء شبكات المعرفة مستندة على التطورات العلمية والابتكارات التكنولوجية يفترض وجود عمل تفاعلي متعدد الجنسيات معزز من خلال وجود شراكات علمية تهدف إلى إيجاد الحلول لمشاكل محددة لكل بلد، ومن خلال وجود تعاون منتظم يرمي إلى تعزيز الإمكانات البحثية كإستراتيجية لبقاء مجتمعاتنا في مواجهة شراهة القوى العظمى في مجال البحوث الأمر الذي يفرض وجود مسؤولية سياسية كبيرة. وللتطلع نحو للمستقبل يجب إن نفكر في إنشاء مجمع تكنولوجي علمي قوي في أمريكا اللاتينية وبهوية خاصة يكون قادر على مواجهة تحديات القدرة التنافسية العالمية من خلال مساهمات ابتكارية لتطبيق المعارف من اجل السلام والتنمية، وفي بناء نموذج جديد للتنمية العلمية والتكنولوجية والإنسانية والبيئية المستدامة، وبهذا الصدد فان مسالة توطيد دبلوماسية علمية قوية تمثل بحق تحدياً ذا أهمية كبيرة للجميع ولكل مجتمع من مجتمعاتنا.

 

قراءة 1156 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)