سفراء المغرب الجدد بأمريكا اللاتينية: مهمات صعبة وتحديات كبيرة *

الثلاثاء, 01 تشرين2/نوفمبر 2016 09:48


أقدم الملك محمد السادس مُؤخرا على تعيين نحو 65 سفيرا دفعة واحدة بالعديد من العواصم الدولية. عشرة منهم بأمريكا اللاتينية. هذه التعيينات تعد، بالنظر إلى عددها، حدثا دبلوماسيا استثنائيا و قياسيا، إلا أنها تعد بالنظر إلى خلفياتها و دواعيها، انعكاسا لتصور بعينه و تنزيلا لدبلوماسية بعينها للمملكة تجاه أمريكا اللاتينية، لمواجهة الصعوبات و التحديات المغربية برقعة جغرافية ذات أهمية جد بليغة بالنسبة للمغرب، نظرا لحساسيتها و خصوصيتها.
الملاحظ٬ بعد معاينة الأسماء٬ أن هاته التعيينات شملت فئتين من السفراء. فئة مُؤسساتية وفئة تكنوقراطية. الفئة المؤسساتية، المقصود بها الفئة المنتمية لوزارة الخارجية، وضمت سفراء تدرجوا بمختلف مصالح الوزارة، خاصة مديرية الشؤون الأمريكية والمديرية العامة للعلاقات الثنائية والشؤون الجهوية، مثلما كانوا قناصلة باسبانيا٬ 'المدرسة الإجبارية' بمسار إعداد الهيئة الدبلوماسية المغربية المستقبلية بأمريكا اللاتينية، نظرا لعلاقات اسبانيا المتعددة بأمريكا اللاتينية و نظرا لمركزتيها ومحوريتها بالنسبة للعلاقات الدولية للمغرب.

 

حضور للخلفية التكنوقراطية وغياب للخلفية السياسية
أما الفئة التكنوقراطية، فالمقصود بها الفئة المحسوبة على النخبة المُثقفة، وشملت أسماء أكاديمية وجامعية٬ متحدثة بالإسبانية ولها دراية معينة بتفاعلات أمريكا اللاتينية. مثلما لها كذلك اسهامات فكرية وعلمية متعلقة بها أغنت على الأرجح الدبلوماسية المغربية. هاته النخبة قامت كذلك بصياغة 'نظرية' قدمت للدولة توصيات بضرورة توظيف خطاب الموروث المشترك بين المغرب وأمريكا اللاتينية. هذه التوصيات تبنتها وزارة الخارجية المغربية وأدرجتها بأجندة سياستها تجاه هاته الشبه قارة عند مخاطبتها أو مفاوضتها.
إلا أنه بالرغم من هاته التعيينات، فتحييد الحكومات الأمريكية اللاتينية وتحجيم قوة وتأثير النزعة الانفصالية بجنوب المملكة بهاته الشبه قارة رهين أساسا بنهج 'دبلوماسية تأثير مضادة' واعتماد سفراء بخلفيات سياسية وحقوقية وصحراوية حيث أن النزعة الانفصالية بجنوب المغرب بأمريكا اللاتينية تعتمد الضغط على قرارات ومواقف حكومات جمهوريات أمريكا اللاتينية من نزاع الصحراء، بتأثيرات وإغراءات عديدة، حيث تتحرك بخلفية أن الدبلوماسية تعد حربا سرية دائمة، كلما تم الاستثمار فيها كثيرا كلما كان الربح كبيرا.

دبلوماسية دفاعية في مواجهة دبلوماسية هجومية
الدبلوماسية التأثيرية الانفصالية٬ بحسب ما يظهر من تجلياتها، تقوم باستحداث جمعيات مدنية غير حكومية تتم تعبئتها ضد المغرب، مثلما تقوم باستقطاب البرلمانات الأمريكية اللاتينية حيث المغرب عضو بالعديد منها بصفة ملاحظ وتعقد لقاءات مع رؤساء لجانها الخارجية. فضلا عن قيامها بتوظيف الاعلام وإحداث جمعيات صداقة والانخراط بالجامعات للترويج لأطروحاتها الانفصالية وتعبئة الرأي العام لصالحها وضد المغرب.
إلا أنه خلافا لدبلوماسية النزعة الانفصالية التأثيرية، فالدبلوماسية المغربية، يبدو أنها على الأرجح، بروتوكولية ومؤسساتية وظرفية٬ كونها تتحرك عند الأزمات أو أثناء الأوقات العصيبة وعندما تتحرك، فتتحرك قصد احتواء أزمة بعينها، وعمليا تعتمد خلافا لدبلوماسية النزعة الانفصالية على التحركات وعقد اللقاءات والمقابلات طبقا للأعراف الرسمية، وذلك وفقا لسياسات تواصلية عاطفية تروم انتزاع تفهم لمواقف المغرب السيادية.

خطورة مقايسة المغرب بجبهة "البوليساريو"
لذلك، فالمطلوب اليوم من المغرب، ما دام نزاع الصحراء وارد ببرامج الأحزاب الأمريكية اللاتينية وبمجتمعاتها المدنية وبجامعاتها وبإعلامها، صياغة دبلوماسية تأثيرية مضادة بغية مقاومة الأنشطة الدعائية وتفنيد الطروحات الانفصالية، بهدف التكيف مع الواقع الجديد بأمريكا اللاتينية خاصة وأن هاته الشبه قارة تتواجد اليوم بمُنعطف حاسم، يتطلب من المغرب إعادة ترتيب أولوياته بها واتقان استثمار انحطاط التحالفات المناوئة له بها.
لماذا؟ لسبب خطير للغاية، وهو أن هناك خطرا محذقا وتخوفا كبيرا، بدأ يلوح بالأفق بأمريكا اللاتينية وقد يكبد أضرارا بالغة بالمغرب بالأفق المنظور إذا لم يتحرك كفاية وبحزم بأمريكا اللاتينية. التحدي موضوع الحديث هو تحييد اسقاط خطير قد يُعيد نزاع الصحراء إلى نقطة الصفر بهاته الشبة قارة. هذا الإسقاط يتجلى في مُعاملة المغرب وتنظيم جبهة "البوليساريو" على قدم المساواة، وهذا الأمر الخطير بدا جليا بعدما أعادت بنما اعترافها من جديد بالتنظيم مؤخرا، بعدما قطعت علاقاتها به منذ مدة طويلة.

ظرفية مواتية لتنفيذ استراتيجية دبلوماسية استدراكية
إلا أنه إذا استحضرنا التوقيت، فالتعيينات تمت في سياقات اقليمية تصب في صالح المغرب. أولها، انقلاب موازين القوة الإقليمية بأمريكا اللاتينية لفائدة المغرب. ثانيها، انفراط عقد العديد من التحالفات الاقليمية المناهضة للمغرب. ثالثها، تواري نفوذ وتأثير الأنظمة المناوئة للمغرب. لذلك فالظرف مُناسب للغاية لتنفيذ استراتيجية دبلوماسية استدراكية تهدف تثبيت مكتسبات المملكة واستقطاب مزيد من التأييد لمنظورها لنزاع الصحراء برقعة جغرافية مازالت تعد نسبيا معقلا للنزعة الانفصالية بجنوب المغرب وتحد مطروح للمملكة.
أمَّا الأكيد اليوم، فإن المملكة كسبت حياد العديد من الجمهوريات وقامت بتحييد العديد من الحكومات المنحازة سابقا. أمَّا أمريكا اللاتينية اليوم، فلم تعد تُقام بها علانية تلك الحملات المناوئة للمغرب والمسيرات المناهضة له والتحركات المناصرة للنزعة الانفصالية بجنوبه مثلما كانت الأمور سابقا، إلا أن هذه المكتسبات لم تعد كافية بتاتا. فالمطلوب انجازات جديدة ومراكمة نجاحات وترجمة مكاسب اليوم إلى انجازات مُستقبلية وانتصارات مُتتالية، خاصة وأن مواقف أمريكا اللاتينية من نزاع الصحراء مزاجية وجد مُتقلبة.

ضرورة إحراز مزيد من الاختراق بدلا من التوازن
إلا أن التحدي المطروح على الدبلوماسية المغربية، بعدما حقَّقت نسبيا توازنا معينا بأمريكا اللاتينية، فهو تحجيم النزعة الانفصالية بها. فبالرغم من الانجازات المشار إليها أعلاه، فإن نشاطات النزعة الانفصالية مازالت قائمة بهذه الرقعة وإن قلت نسبيا حدتها، إلا أن تنظيمها وتركيبتها مازالت على حالها ولم يتم تفكيكها بعد٬ طالما أن النزعة الانفصالية بجنوب المغرب نجحت في استدراج المغرب إلى حروب استنزافية بأمريكا اللاتينية.
أمَّا بالنظر إلى الظروف الاقليمية الحالية بأمريكا اللاتينية، فيتحتم على الدبلوماسية المغربية إحراز مزيد من النقاط لصالحها٬ خاصة وأن العديد من التحالفات المناوئة للمغرب بالقارة انحلت وأكثرية جمهوريات أمريكا اللاتينية اليوم على شبه حياد تام من نزاع الصحراء والعديد من الأطراف بالقارة تنتظر مبادرة المغرب نحوها. لذلك الحفاظ على الوضع القائم لم يعد كافيا وإحداث تقدم ملحوظ في العلاقات مع أمريكا اللاتينية هو المنشود.
أمَّا إحراز تقدم جديد لصالح المغرب فيعد أمرا ممكنا٬ مثلما يعد كذاك أمرا مستبعدا٬ وتوقع اعترافات جديدة بتنظيم جبهة "البوليساريو" مثلما وقع مؤخرا مع بنما يعد بدوره أمرا واردا. لذلك يستوجب على المغرب تجاوز الدبلوماسية الدفاعية٬ غير المجدية وغير الفاعلة٬ والاستثمار بالدبلوماسية الهجومية٬ وذلك بالاندماج أكثر فأكثر بالشبه القارة اللاتينية٬ بتقوية تمثيليتها الدبلوماسية وتوظيف الدبلوماسية الاستخباراتية٬ خاصة بعدم قيام أربعة عشر برلمانا بأمريكا اللاتينية بإدانة المغرب إبان أحداث أكديم إزيك سنة 2010.

بقلم أحمد بنصالح الصالحي: مهتم ومتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية والمغربية-الأمريكية اللاتينية

 

قراءة 2269 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)