نحو شراكة جديدة بين أمريكا اللاتينية والصين
الخميس, 31 كانون1/ديسمبر 2015 10:47لعبت كل من أمريكا اللاتينية والصين دور البطولة فى التجارة حتى بلغت أوجها ؛ مما أثار الإعجاب فى السنوات الـ15 الأخيرة ، فقد تضاعفت السيولة التجارية بينهم 22 مرة أكثر بكثير مما تم تحقيقه مع "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادى" - مرتين- ومع الاتحاد الأوروبى - 3 مرات - والولايات المتحدة – مرتين. وتعد الصين اليوم الشريك التجارى الرئيسى للبرازيل ، وتشيلى ، وبيرو. وزادت الصين من مشاركتها فى "سلسلة القيمة العالمية"،(مصطلح يستخدم فى مجال إدارة الأعمال للتعبير عن سلسلة النشاطات التى تساهم فى قيمة المنتج أكثر من تكلفته) فى أمريكا اللاتينية ، وتشترك أمريكا اللاتينية فى "سلسلة القيمة" مع الصين أكثر من مشاركتها على المستوى الإقليمى .
ومع ذلك ، فإن العلاقات اليوم التى تربط بين أمريكا اللاتينية والصين بدأت تأخذ اتجاهًا جديدًا ، وتطرح تحديات جديدة ، وتتيح مزيدًا من الفرص.
ففى عام 2015، سجلت أمريكا اللاتينية نموًا سلبيًا للمرة الأولى منذ عام 2009 ؛ لذلك سوف تعود للنمو بمعدل أقل من المتوسط فى الاقتصاد وفقًا لما أفادت به "منظمة التعاون والتنمية"، ووفقًا لجميع التوقعات، سوف يحدث ذلك أيضًا فى عام 2016 و2017 ، وذلك بعد مرور عشر سنوات من التقارب الاقتصادى . ومن البديهى أن متوسط معدل النموالاقتصادى يخفى وراءه اختلافات كبيرة بين الدول ، ومع البلدان الصناعية فى أمريكا الوسطى والمكسيك التى تقود استعادة الاقتصاد ، وتكافح مجموعة بلدان منطقة الإنديز من أجل الحفاظ على معدلات نمو قوية ، وهناك 4 دول محورية فى المنطقة - وهى الأرجنتين ،والبرازيل ، والإكوادور ، وفنزويلا - وذلك كحد أدنى ـ تعانى من الركود. ولكن معظم دول المنطقة تشترك فى أن معدل النمو أقل مما كان يعتقد ، وهو أقرب إلى نسبة 3% منها إلى نسبة الـ 5% ، التى اتسم بها عام 2000 . ويوضح هذا الضعف الهيكلى اختلاف مستوى الدور الذى تلعبه أمريكا اللاتينية والصين،اللتان تقومان بمهام إزاحة الثروة العالمية نحو الدول الناشئة ، حيث راكمت الصين بمفردها منذ عام 1990 ثلث ما حققه النمو الاقتصادي العالمى والبالغ نسبته الـ 10% ، وهى نسبة تتجاوز 5 أضعاف ما حققته أمريكا اللاتينية .
ولدى الصين استراتيجية واضحة للتحول الهيكلى للتغلب على فخ متوسط الدخل ، فالوضع الطبيعى الجديد للصين سوف يقتضى فى الـ10 سنوات القادمة زيادة فى معدلات النمو ليست مذهلة ، ولكنها أكثر استدامة ، مستندة على استهلاك أكثر ، وتوطيد الطبقة الوسطى الحضرية ، وازدهار الصناعات فى مجال المعرفة والتكنولوجيا.
والسؤال الذى يطرح نفسه هو، ماذا يعنى هذا بالنسبة لأمريكا اللاتينية ؟ والإجابة هى فرص كبيرة وتحديات أكبر..
ومن الممكن أن تواجه أمريكا اللاتينية بعضًا من تحدياتها الخاصة بالتنمية أثناء قيامها بدورها فى هذا التحول ، ولكن ذلك يتطلب وجود استراتيجية استباقية مع سياسات قوية ، تعمل على تنوع الإنتاج ، وتحسين جودة البضائع ، والخدمات ، والتكامل الإقليمى .
وفى المقام الأول ، سوف تشهد صادرات أمريكا اللاتينية تغيرات هامة. فنحن نتوقع ما بين عامى 2015 و2030 زيادة فى متوسط معدل النمو السنوى للصادرات من المعادن والوقود الإحفورى إلى الصين ، والذى انخفض إلى 4% بعد أن كان 16% فى العقد الماضى . ولكن فى الوقت نفسه ، سوف يفتح الطلب الصينى أبوابًا أخرى جديدة أمام الصادرات الغذائية التى تطلبها الطبقة الوسطى الجديدة ( مثل الأسماك ، واللحوم ، والفاكهة) ، وخدمات مثل السياحة . وينبغى على المنطقة أن تقوم بتحديث القطاع الزراعى والرهان على الخدمات بمزيد من التخطيط الدولى، وينبغى أن تكون العلاقة أبعد من التجارة. ولكن ينبغى القضاء على الخرافات.
وفى المقام الثانى ، يتعين على أمريكا اللاتينية مواصلة جهودها فى بناء رأس مال بشرى ، فعلى سبيل المثال ، اليوم فقط ، طالب واحد من بين 5 طلاب فى أمريكا اللاتينية ، يلتحقون بالتعليم العالى فى العلوم والتكنولوجيا ، مقارنة بالنصف فى الصين ، فالمنافسة فى القرن الحادى والعشرين سوف تكون فى مجال الابتكار ؛ لهذا يجب على المنطقة وضع استراتيجية للتعليم والتخصصات الفعالة بشكل حقيقى.
وفى المقام الثالث ، ينبغى على أمريكا اللاتينية أن تعمل على تعميق وتحسين العلاقات المالية مع الصين ، ويجب التخلص من الخرافات ، وأن تتجاوز العلاقة التجارة ، وهو ما يحدث بالفعل ، فقد أظهرت البيانات الخاصة بالحوار بين البلدان الأمريكية أن الصين اليوم هى أكبر مقرِض فى المنطقة ، فهى قبل البنك الدولى ، وبنك التنمية الإسلامي ، ومنظمة الكاف ، وبالإضافة إلى ذلك ، قامت الصين بالاستثمار فى قطاعات الاتصالات ، والطاقة الكهربائية ، وتقنيات البيئة ، والأراضى. ومن المتوقع أن تمتد للصناعة والابتكار. ولكن ما يهم فى الحقيقة هو الإعلان عن أن هذه الاستثمارات سوف تصل إلى 250 مليار دولار فى عام 2025 ، ويتعين أن تكون مصحوبة بمزيد من الشفافية وحسن التنظيم ، ويجب أن تكون حكومات فى المنطقة أكثر نشاطاً ، والمطالبة بتحسين نوعية الاستثمار ، ولاسيما فى المجال البيئي . وتحتاج الصين إلى مواصلة الجهود ، وذلك لفهم التحديات التى تواجه المنطقة بشكل محدد ، وأوليات التنمية فى أمريكا اللاتينية .
وسوف تواجه التحديات الثلاثة - التنوع ، ورأس المال ، والتمويل - بشكل أفضل بمزيد من التنسيق ، فعلى سبيل المثال ، بشأن التجمعات الاقتصادية القائمة مثل" ميركسور" وتحالف المحيط الهادى .
لقد حان الوقت للمضى قدمًا نحو"شراكة جديدة مع الصين"، يكون المكسب فيها للجميع ، فالصين تستطيع مواصلة الاعتماد على أمريكا اللاتينية كشريك تجارى موثوق به ، وكجهة لجذب استثماراتها. وكذلك أمريكا اللاتينية يمكنها الاعتماد على الصين كمستثمر موثوق به ، ووجهة لمنتجاتها وخدماتها ، وذلك على حد قول الفيلسوف "كونفوشيوس"، وهو أكبر ملهِم لفكر الصين اليوم ، حيث نستوحى مقولته فى مقالنا اليوم :" إن الانسجام كالكنز ".
صحيفة "الباييس" الإسبانية 25-12-2015
بقلم : ماريوبيتزينى
ترجمة : فاطمة محمود
30/12/2015
http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?ArtID=116413#.VoUE2LbJyM8