لابد أن الزعيم الأسطورى الراحل هوجو تشافيز، يتحسر الآن على الأوضاع المزرية لبلده فنزويلا وهى تحطم الأرقام القياسية لمعدلات التضخم فى العالم، ولابد أنه سيلتمس الأعذار لتلميذه النجيب نيقولاس مادورو الرئيس الحالى للبلاد، مرجعا سبب سوء الأوضاع إلى الهبوط الشديد فى أسعار البترول التى تعد السلعة شبه الوحيدة التى تملك فنزويلا تصديرها للعالم والحرب الاقتصادية التى تشنها الولايات المتحدة عليه طالما ظل الأخير متمسكا بثوابت مثل عدم خصخصة شركات القطاع العام، ولابد أن تشافيزاليسارى كان معجبا، وهو راقد فى قبره، بشدة إخلاص مادورو وتفانيه فى الانحيازلمصالح الطبقة العاملة الكادحة فى مواجهة جشع رجال الأعمال وهو يسمعه يعلن أنه لن يتبنى أبدا سياسات نيوليبرالية حتى لو كان يتكلم موجها خطابه لبرلمان خسر الأغلبية فيه لصالح معارضة معادية لليسار لأول مرة منذ 17 عاما .
مواقف تشافيزالصلبة المنحازة للفقراء وبرامج الدعم التى حصلوا عليها خلال فترة حكمه ضمنت استمرار خليفته مادورو فى السلطة وكانت بمثابة السلاح القوى الذى شكل ملامح نموذج قابل للتطبيق عالميا، وهنا تكمن خطورة تعرضه لانتكاسة تبرهن عمليا على أن الأنظمة الاشتراكية التى تصل إلى السلطة فى بلدانها تعد الفقراء بالرفاه الاجتماعى لكنها تعجز عن مواصلة تطبيقها بسبب تمويل برامج غير مستدامة للدعم وتبنيها سياسات معادية لرجال الأعمال ولروح السوق الحرة .
الحكومة لا تعترف بأعلى نسبة
تضخم فى العالم
تعيش حكومة مادورو أشد نماذج إنكار الواقع، فبعد فوز المعارضة بغالبية مقاعد البرلمان فى الانتخابات البرلمانية التى انعقدت أواخر العام الماضى قرر مادورو تعيين لويس سالاس وزيرا للاقتصاد الذى ينتمى لأقصى اليسار، ورفض الوزير تحميل الحكومة مسئولية صعود التضخم إلى نسبة %200 معتبرا أن ارتفاعها متعمد من قبل التجار لإحراجها .
وتعانى فنزويلا نقصا شديدا فى السلع الأساسية المتاحة فى الأسواق، حيث أصبح المواطنون مضطرين لقضاء ساعات طويلة فى الطوابير قبل الحصول على احتياجاتهم. وتوصل مسح أجرته شركة متخصصة إلى أن الفنزويليين يقضون خمس ساعات أسبوعيا فى شراء مستلزماتهم من محال البقالة وأنهم لا يعثرون عليها قبل زيارة خمسة متاجر مختلفة .
وتعانى البلاد كذلك من نقص بنسبة %70 فى الأدوية، وتتهم الحكومة المنتجين بتعمد تخزين السلع لرفع الأسعار. وادعت قناة تليسورالفنزويلاية أن النقص ناتج عن الجهود المنظمة التى تبذلها المعارضة لخلق حالة من السخط لدى المواطنين قبل الانتخابات .
قال صندوق النقد الدولى إن التضخم السنوى خلال 2016 سيصل إلى %200، وهى النسبة الأعلى عالميا. وبينما توقع الصندوق بلوغ التضخم %159 فى 2015 قلل الرئيس من نسبتها معتبرا أنها لم تتجاوز %85 .
وسعت الحكومة للتغلب على التضخم عن طريق فرض التسعيرة الجبرية، حيث قدرت مؤخرا قيمة كرتونة البيض التى تحتوى على 30 بنحو 420 بوليفار. ولم يلتزم جميع البائعين بها، حيث اضطر المشترون لسداد ثلاثة أضعاف هذا السعر فى السوق السوداء .
تطبق فنزويلا ثلاثة أسعار صرف رسمية بجانب السائدة فى السوق السوداء. يتم استخدام السعرين الأول والثانى لاستيراد السلع الأساسية، أما الثالث فيستخدمه المواطنون غير المسموح لهم بشراء الدولار بالأسعار التفضيلية .
ولأن التجار يصعب عليهم الحصول على موافقة السلطات المعنية لشراء الدولار بالسعر الرسمى فإنهم يضطرون وفقا لموقع دولار توداى دوت كوم لشراء دولار بسعر 800 بوليفار فى السوق الموازية بدلا من الرسمى المقدر بـ6.3 بوليفار .
وتدخلت الحكومة لمنع هروب رؤوس الأموال من البلاد فبدأت عام 2003 بفرض قيود للحد من شراء العملة الأجنبية، لكنها زادت معدلات التضخم لأن التجار اضطروا لشراء احتياجاتهم الدولارية من السوق السوداء بأسعارمرتفعة .
تهديدات بإجبار «مادورو» على الاستقالة
رفض البرلمان تمرير قانون بمنح الرئيس صلاحيات استثنائية تستمر لستين يوما لمساعدة الاقتصاد على التعافى. وتشمل وضع الميزانية وإدارة الشركات والعملة. ورفضت المعارضة القرار بحجة أن مادورو يمتلك بالفعل صلاحيات كافية، كما تعهدت بسحب الثقة منه الذى يفتقد لشخصية تشافيز الكارزمية عبر استجواب ينعقد منتصف العام الحالى أو بإجباره على الاستقالة .
ويجىء رفض البرلمان للخطة التى تقدم بها مادورو رغم مخاوف اعتبار الرفض محاولة من المعارضة لإلغاء برامج الدعم الاجتماعى التى يستفيد منها المواطنون منذ أيام الزعيم الراحل هوجو تشافيز. وتبدو العلاقة بين المعارضة والحكومة مرشحة للتوتر مجددا عندما تطرح الأولى مشروع قانون للعفو عن العشرات من السجناء السياسيين، خصوصا أن مادورو أعلن رفضه القانون .
ظهرت مؤشرات إيجابية دللت على أن الصراع بين حكومة نيقولاس مادورو الاشتراكية والمعارضة المهيمنة على البرلمان ليست حتمية، فقد وافق ثلاثة برلمانيين ينتمون للمعارضة على تقديم استقالتهم تنفيذا لقرار المحكمة الدستورية التى طالبت بفتح تحقيق فى اتهامات بارتكابها مخالفات انتخابية. وبسبب الاستقالة خسرت المعارضة فرصة الاستحواذ على أغلبية الثلثين .
وقالت مجلة الايكونوست إن مادورو اتخذ قرارات تدل على استعداده للحوار، مثل تعيين عمدة العاصمة كراكاس السابق ليشغل منصب نائب الرئيس بدلا من أحد أقرباء هوجو شافيز مؤسس الثورة البوليفية. وتحدث نائب الرئيس المعين مع رئيس البرلمان هنرى راموس مرتين، وساعدت هذه الحوارات على إنهاء التوتر بين البرلمان والمحكمة الدستورية العليا .
توجد مقابل هذا تناقضات حادة بين رؤية الرئيس مادورو من ناحية ورئيس البرلمان راموس من أخرى للأزمة الاقتصادية والحلول المتاحة لمواجهتها، وبينما يعتقد مادورو أن نقص البضائع وصعود معدلات التضخم وضعف العملة المحلية ترجع إلى حرب اقتصادية يشنها المضاربون والأجانب، يرى راموس أن النموذج الاقتصادى الذى يتبناه مادورو هو السبب وراء الأزمة الاقتصادية .
وقرر مادورو تعيين لويس سالاس المنتمى لأقصى اليسار ليشغل منصب وزير للاقتصاد، وهو ما يعزز فرص تصادم الرئيس والمشرعين. ويعتقد سالاس أن التضخم ما هو إلا مؤامرة رأسمالية ضد المستهلكين، كما أنه ينكر دور البنك المركزى فى رفع معدلات التضخم عن طريق طباعة النقود لتمويل عجز الميزانية .
انفجار فقاعة الدعم
برامج الدعم التى ابتكرها شافيز داخليا وإقليميا أثناء انتعاش أسعار البترول أصبح يتعذر تقديمها بعد التراجع لأنها لم تعتمد على مصدر تمويل يتصف بالاستدامة فى ظل انكماش احتياطات البلاد من العملات الأجنبية، فبدلا من استخدام عوائد البترول فى تكوين احتياطات ضخمة من هذه العملات تناظر تلك التى كونتها دول الخليج العربى تم توجيهها للإنفاق على البرامج الاجتماعية .
لكن هذه اليرامج ساهمت من ناحية أخرى فى تحقيق أكبر إنجاز خلال فترة حكم هوجو تشافيز وهو تراجع الفقر والظلم بمعدلات قياسية، فقد هبطت معدلاته بمقدار النصف خلال الفترة من2003 إلى 2011، كما تحسن بشكل ملحوظ مؤشر جينى الفنزويلى الذى يقيس انعدام المساواة .
وتحسنت الدخول الحقيقية للمواطنين بفضل البرامج الاجتماعية المدعومة حكوميا، لكن معظم المكاسب فيها تبخرت بعد انزلاق البلاد رسميا فى الركود، وتوصلت دراسة أعدتها ثلاث جامعات فنزويلية لزيادة عدد الفقراء إلى نسبة %73 من عدد السكان، صعودا من %27 خلال عام 2013. ورفضت الحكومة نتائجها، ولم تعترف بصعود معدلات البطالة بل أكدت كذلك تراجع أعداد أشد الفنزويليين فقرا وهبوط معدلات البطالة لتصل إلى مستويات تاريخية متدنية تقدر بنحو %6.7 .
وحرص هوجو تشافيز على كسب ود الأصدقاء وتوسيع نفوذه على مستوى الدول المجاورة فأنشأ صندوقا يحمل اسم بتروكاريبى فى العقد الماضى ضمن خطة لتصدير الثورة الاشتراكية إلى الدول المجاورة المطلة على البحر الكاريبى عندما كان يحقق عوائد ضخمة جراء بيع النفط بأسعار مرتفعة .
ويختص الصندوق بمنح 18 دولة مطلة على الكاريبى، شحنات بترول كقروض مدعمة، حيث تعهدت فنزويلا بتحمل %50 من قيمتها على أن تسدد التكلفة المتبقية خلال فترة سماح تصل إلى 25 عاما. تراجع أسعار البترول أفقد الصندوق قدرته على مواصلة تقديمه للدول المجاورة بعد أن أوشكت فنزويلا على الإفلاس .
ويحاول مادورو الآن حث هذه الدول على رد القروض حتى قبل حلول موعدها القانونى باستخدام محفزات تشمل خصم قيمتها بنسب كبيرة. واستخدم شركات حى المال فى وول ستريت لإبرام اتفاق مع جمهورية الدومينكان، وهو ما ساعده على رد 4 مليارات دولار من قيمة القروض بعد استفادة الأخيرة من خصم %50 .
ويعتقد مادورو أن الوقت قد حان لرفع أسعار الوقود، لأن الدعم الموجه لتوفيره بأسعار متدنية تسبب خلال عام 2015 فى صعود العجز الحكومى ليصل إلى نسبة %24 من إجمالى الناتج المحلي. المقترحات التى وضعها سالاس تشمل حث الشركات على زيادة الإنتاج لكن دون إلغاء التسعيرة الجبرية أو طرح وسيلة لتحسين القدرة على استيراد السلع الأساسية ودون تقليص الإنفاق على البرامج الاجتماعية .
الحركة الشعبية لم تخسر كل نفوذها
وتقول مجلة الايكونومست فى تقرير لها، إن الحركة الشعبية التى أسسها هوجو تشافيز لم تنهزم بعد رغم النكسات التى لحقت بها مؤخرا. ولا تزال بقية مؤسسات الدولة خاضعة لسيطرة مادورو بعد هيمنة المعارضة على البرلمان، فقبل انعقاد أولى جلساته قضت المحكمة الدستورية العليا بتعليق عضوية ثلاثة من النواب المنتمين لها لحين انتهاء التحقيق معهم بشأن مخالفات انتخابية .
وبخسارة عضوية النواب الثلاثة لم تعد المعارضة قادرة على نيل الأغلبية الساحقة التى تمكنها من تعيين وعزل قضاة المحكمة الدستورية وتشكيل لجنة لإعادة كتابة الدستور. وانصاع الأعضاء الثلاثة لقرار المحكمة بعد رفضهم تنفيذه فى البداية .
المحكمة الدستورية العليا هى أقوى ما تمتلكه الحكومة فى معركتها مع المعارضة، فقد حرص البرلمان السابق الموالى للرئيس على إصدار قرار بتعيين 13 قاضيا جديدا قبل حله، وهو ما يجعل مادورو واثقا من قدرته على تنفيذ تعهد سابق له بعدم السماح بتمرير قانون للعفو عن السجناء السياسيين .
وربما تعتمد الحكومة على تنفيذ خطة تستهدف الاستفادة من الاختلافات الكبيرة بين نواب 13 حزبا ذات توجهات متباينة لا تجمعهم سوى الرغبة فى هزيمة الحركة الاشتراكية التى أسسها تشافيز وإن ظلوا مختلفين بشأن وسائل تحقيق هذا الهدف. وتدور داخل صفوف المعارضة منافسة حامية بين راموس زعيم حزب الحركة الديمقراطية الذى حكم فنزويلا قبل وصول تشافيز للسلطة من ناحية وهنريك كابرلى زعيم حزب العدالة أولا الذى تنافس بضراوة مع نيقولاس مادورو فى الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها الأخير عام 2013. واعترض المعتدلون داخل تحالف المعارضة على اقتراح تقدم به راموس حتى قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية للبرلمان بطرح فكرة عزل الرئيس لاستفتاء عام، حيث اعتبروا الاستفتاء تحديا مبكرا للنظام .
الفنزويليون يتطلعون لتدخل الجيش
وبدأ الفنزويليون يتطلعون لفرص تدخل الجيش فى ظل احتدام الصراع بين الحكومة والمعارضة. وصدر فى ليلة انعقاد الانتخابات البرلمانية تصريح لوزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز أكد فيه استعداد الجيش للمحافظة على الدستور. واعتبره مراقبون تحذيرا للمتشددين الموالين للحكومة لحثهم على قبول نتيجة التصويت .
لم يعد الوقت يعمل لصالح النظام، فالبترول هبط لما دون 30 دولارا للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير 2004. ويتوقع بنك باركليز صعوبة تمكن النظام من تفادى التعثر فى سداد جزء من الدين الخارجى المقدر بنحو 98 مليار دولار. ويبدو أن مادورو لا يرغب فى إحداث تغيير جذرى فى سياسته الاقتصادية فقد أصدر قانونا قبل انعقاد البرلمان يحرم الأخير من حقه فى تعيين مديرى البنك المركزى أو حتى إخضاعهم للمساءلة .
خطورة الاعتماد على البترول
تزايد اعتماد فنزويلا على البترول حتى خلال فترة حكم هوجو تشافيز، فخلال الفترة من 1998 إلى 2013 شكلت المنتجات البترولية نسبة %98 من سلة الصادرات صعودا من %70، ولم يكن هذا ناتجا عن انتعاش الأسعار خلال تلك الفترة بل عن التجريف الذى أصاب القطاعات الصغيرة غير البترولية بسبب مواصلة فرض قيود على الصفقات المقومة بالعملات الأجنبية مما عاق استيراد السلع الوسيطة الداخلة فى العملية الإنتاجية .
وترى مؤسسة بروكنجزالبحثية، أن إيرادات النفط فى ظل أسعاره المتدنية الحالية لم يعد يعتمد عليها، حيث يتعين تبنى استراتيجية جديدة توجد بدائل للدخل تضمن زيادة احتياطاتها من الصرف الأجنبى على المديين المتوسط والبعيد وتنويع سلة صادراتها لتصبح ذات مزايا تمكنها من التنافس بقوة فى الأسواق الخارجية. الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف تقتضى إنشاء وكالة مستقلة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية .
فضل الكثير من الشركات متعددة الجنسيات مغادرة البلاد خلال العقد الماضى لأسباب تشمل صعود معدلات الجريمة وانعدام القدرة على تحويل العوائد فى ظل إقبال الكثير من خطوط الطيران العالمية على تخفيض عملياتها فى فنزويلا أو إلغائها بشكل كامل بجانب تكرار حالات انتهاك حقوق الملكية الخاصة الأساسية .
وترى المؤسسة البحثية أن اجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة هو أفضل الحلول المتاحة لتطوير قطاعات اقتصادية جديدة والنفاذ للموارد الخارجية. تستطيع هذه الوكالة حال حصولها على دعم كاف من البرلمان خلق ظروف قادرة على جذب الشركات متعددة الجنسيات الراغبة فى نقل أعمالها إلى فنزويلا عن طريق منحها مزايا تفضيلية تيسر حصولها على العملات الأجنبية أو تزويدها بتطمينات تضمن حمايتها من خطر مصادرة أعمالها فى البلاد .
ورغم أن الفرص المتاحة أمام الاستثمارات الأجنبية غزيرة ومتعددة لكن الحكومة الاشتراكية الحالية تقف حجر عثرة أمامها. ولعل هذا هو السبب وراء تركيز المعارضة على الحلول قصيرة الأجل .
السلطوية الناعمة تجهض الديمقراطية
يرى كيرت ويلاند الباحث فى العلوم السياسية فى مقالة بموقع ذى اتلانتك، أن العديد من القادة اليساريين فى دول أمريكا اللاتينية تبنوا نوعا جديدا من السلطوية الناعمة التى فرغت الديمقراطية من مضمونها ببطء لكن بثبات، حيث حرصوا على فرض قيود على وسائل الإعلام والمعارضة واستخدام موارد الدولة لحشد الأنصار والمؤيدين .
ولم يعد يمكن اعتبار سيطرة المعارضة على البرلمان فى فنزويلا يندرج ضمن التداول المعتاد للسلطة فى الأنظمة الديمقراطية، فقد اكتسب تشافيز الكثير من خصائص السلطة الأبوية التى تجتذب اليها الفقراء والمهمشين بوعود توفير الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم والدفاع عن استقلال البلاد والتصدى لهيمنة الدول الكبرى، وهو ما ساعده على مواصلة الإمساك بالسلطة وإشعار الجماهير بأن وجوده لا غنى عنه لبقاء الدولة. لأن النظام الذى أسسه لم يكن ديمقراطيا بقدر كاف، خصوصا بعد تمكنه من إجراء تعديلات دستورية تتيح إعادة انتخابه مرات عديدة .
ضمن تشافيز الفوز فى الانتخابات بفضل إجراءات حققت له الهيمنة على الساحة السياسية مثل إغلاق عدد من المحطات التليفزيونية والتهديد بإغلاق البقية واعتقال قادة المعارضة والقضاة واستخدم العوائد البترولية لتدشين برامج الدعم. وعندما كانت المعارضة تنجح فى احد هذه الانتخابات كانت يسعى للتقليل من تأثيرها باستخدام العديد من الحيل، فبعد فوز المعارضة بمنصب عمدة مدينة كاركاس أنشأ هيئة تشرف على العاصمة بصلاحيات واسعة .
أصبح تشافيز مصدر إلهام للعديد من قادة اليسار الشعبويين فى أمريكا اللاتينية، بعد نجاحه فى تغيير ملامح الممارسة السياسية عبر الإصلاحات الدستورية التى تمرر دون الخروج على آليات ديمقراطية معتادة مثل الاستفتاءات مستخدما فى ذلك قدرته الشخصية على حشد الجماهير لصالحه، وهو نفس ما فعله قادة مثل ايفو مورالسفى بوليفيا ورافائيل كورى فى الاكوادور ومانويل زيلايا فى هوندوراس (لكنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه). استغل قادة بوليفيا والاكوادور حاجة شعوبهم للاستقرار بعد فترة اضطرابات شابت عملية انتقال السلطة والحاجة لتنصيب زعيم قوى، ليتم مقابل هذا إضعاف المؤسسات المسئولة عن تفعيل الممارسات اللييرالية التعددية .
وفى بوليفيا نجحت حكومة مورالس فى منع المعارضة من المشاركة بفاعلية فى وضع الدستور، ثم تمكن الزعيم بفضل وعود بعدم خوض فترة رئاسية أخرى فى انتخابات عام 2014 من نيل موافقتها على المشاركة فى استفتاء على مسودة للدستور تلبى مطالبه، لكنه رشح نفسه فى هذه الانتخابات رغم الوعود .
وفى الاكوادور نجح رافائيل كورى فى تمرير إصلاحات دستورية تعزز سلطاته الرئاسية بعد التخلص من نصف أعضاء البرلمان المعادين له .
أيمن عزام
http://www.almalnews.com/Pages/StoryDetails.aspx?ID=269775