16/07/2019
طور أدباء أمريكا اللاتينية كثيرًا من الأفكار الموجودة فى كل الحضارات والثقافات المحلية حول العوالم الغرائبية؛ حيث انتقلت من الموروث الشعبى والدجل إلى ساحة الإبداع الأدبى العالمى، فسلسلة روايات «هارى بوتر» للكاتبة البريطانية ج. ك. رولنج، تعتمد فى الأساس على مجموعة من الطلبة الذين يتعلمون السحر ويواجهون قوى الشر وسيد الظلام. شكل هذا الجانب الخرافى والسحرى الذى يعتمد على الأسطورة والعجائب اتجاهًا أدبيًا كبيرًا لدى كتاب وأدباء أمريكا اللاتينية، ما يعرف بـ«الواقعية السحرية»، كان رائدها الأديب الكولومبى جبريال جارثيا ماركيز، والروائى المكسيكى خوان رولفو، من خلال رائعته «بدرو بارامو»، والأرجنتينى خورخى لويس بورخيس، والكاتب ماريو فرجاس يوسا. كانت رواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» أول عمل أدبى طويل كتبه ماركيز ونشره فى وقت مبكر من تكوينه الأدبي، تتميز الرواية بطابعها التقريرى الكلاسيكي، ولم تحفل بالغرائب كأعماله اللاحقة، التى تنتمى للواقعية السحرية التى ترتكز على الخرفات والأسطورة، لكنها ضمت فى تكوينها بعض المشاهد التى شكلت بذرة لأعمال بذاتها فى الفترات اللاحقة، ففيها تتحدث بعض الشخصيات عن علاقتها بالأموات وكيفية تواصلها معها. قال عنها فى مذكراته «عشت لأروي» أنها مستوحاة من حياة جده الضابط المتقاعد، ووضعه -أى ماركيز نفسه- المالى السيئ الذى لازمه فى بداية مشواره الأدبي. استطاع أن يجمع بين ملامح شخصية جده، ووضعه المالى السيئ، جاعلًا من ذلك الجد، فى صفحات القصة، ضابطًا متقاعدًا عجوزًا يعيش مع زوجته العجوز، ليس لهما من الحياة والعيش سوى الذكرى، لابن وحيد قضى فى أعمال القمع السياسي، وقد ترك لهما، على سبيل الإرث، ديكًا يصطحبه الرجل، ليخوض به مباريات ورياضة صراع الديكة، وذلك فى المرات القليلة التى يخرج فيها من بيته. ومن ناحية أخرى؛ فإن الكولونيل كان يواظب بشكل منتظم الذهاب إلى دائرة البريد، وذلك منذ فترة طويلة فى انتظار وصول رسالة ما، والحقيقة أن الكولونيل قبل أكثر من عقد ونصف العقد، قد شارك فى تحرك عسكرى سرعان ما انتهى بالفشل وصرف الرجل على أثره من الخدمة، مع وعد بأنه سينال معاشًا تقاعديًا. لكن الرسالة التى تعلن بدء إرسال المعاش إليه، لم تصل. يدخل فى حالة بائسة وتعيسة للغاية أكثر مما هو عليه الآن، فالإقرار بفقدان الأمل، والإيمان باستقرار الخيبة وحلولها سبب دافع للخلاص من الحياة وعدم الاستمرار فيها، فهو يواجه المصير الذى لاقاه ابنه من قبل ولكن بشكل تدريجي، موت بطيء كما يسمونه. بينما تعد رواية «مئة عام من العزلة» هى العمل الأضخم الذى وصلت فيه الواقعية السحرية إلى ذروتها مع ماركيز، وقد حققت نجاحًا وانتشارا كبيرين؛ حيث ترجمت لعدد كبير من اللغات الحية. تعيش عائلة بوينديا على مدى ستة أجيال فى قرية خيالية تسمى «ماكوندو»، وقد بدأ نسل العائلة مع قدوم الجد الأول «خوسيه أركاديو بوينديا» مع زوجته «أورسولا» والجدة «بيلار تيريزا» التى تقرأ مستقبل الناس من خلال ورق اللعب، وتعيش الأسرة وسط مجموعة من المهاجرين. مارس الغجر داخل القرية العديد من ألعابهم السحرية، وتلونت الحياة بطابع خرافى، بينما كانت الشخصية الغريبة «ملكياديس» يترك مجموعة من الأوراق التى لا تفتح أسرارها إلا بعد مائة عام، وأرسولا الجدة صاحبة التعويذات والتنبؤات والتحذيرات العجيبة من عاصفة وطوفان يضرب بالقرية. يتنوع نسل عائلة بوينديا إلى مجموعة من الأبناء والأحفاد مصنفين لنوعين؛ الأول يمتلك صفات جسدية خارقة للعادة، والآخر يحمل صفات العزلة والتمرد. تدور أحداث الرواية وسط صراعات سياسية عرفت فيما بعد بـ«الحرب الأهلية الإسبانية»، فتقع اضطرابات وجرائم عدة، وتقوم كتائب مسلحة بتنفيذ إعدامات مباشرة لشخصيات الخصوم، كما تنشغل شخصيات الرواية بعدم مخالفة وصايا الجدة والخوف من وقوع لعنة تعصف بالجميع إثر مخالفة قانون الآباء.
اقرا المزيد من: https://www.misr-alan.com/2794380