نتانياهو يزور أمريكا اللاتينية... لماذا؟

الإثنين, 18 أيلول/سبتمبر 2017 10:33

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بزيارة إلى عدد من دول أمريكا اللاتينية، خلال الفترة من 11 سبتمبر وحتى 14 سبتمبر 2017، شملت الأرجنتين، وكولومبيا، والمكسيك. وبينما زار رؤساء إسرائيليين القارة في الماضي – كان آخرها زيارة شمعون بيرس عام 2009- تعد جولة نتنياهو هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي لأمريكا اللاتينية.ولذا وصف رئيس حكومة إسرائيل جولته اللاتينية بـ"التاريخية". وفي إشارة إلى حرص نتانياهو على مد جسور التواصل مع القارة اللاتينية، قال عشية الاحتفال برأس السنة العبرية: "إننا نقوم حاليا بتطوير العلاقات مع قارة أمريكا اللاتينية، التي تشكل كتلة كبيرة تضم دولًا ذات أهمية بالغة، إننا ندخل ساحة جديدة".

أولا: علاقة قديمة ومثيرة

الأرجح أن علاقة إسرائيل مع القارة اللاتينية قديمة ومثيرة، وتعود إلى أربعينيات القرن الماضي عقب تأسيس إسرائيل في عام 1948، حيث قامت إسرائيل ببناء تحالفات مع الأنظمة اليمينية والعسكرية التي كانت باستمرار مناهضة لليسار. ولعبت دول أمريكا اللاتينية آنذاك دورًا فاعلًا في تمرير قرار الجمعية العامة رقم 181، الذي قضى بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين والسماح بإنشاء "دولة يهودية"، وهو ما أسهمفي ترسيخ الكيان "الإسرائيلي" داخل الأمم المتحدة؛ حيث كان تأييد هذه الدول لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المعروف باسم قرار تقسيم فلسطين والصادر في 29 نوفمبر 1947، حاسما في قبول عضوية "إسرائيل" في المنظمة الأممية، خاصة أن دول أمريكا اللاتينية كانت تشكل أكثر من ثلث عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر عام 1947. فقد صوّتت 13 دولة لاتينية لصالح قرار التقسيم. وعشية حرب 67، دعمت الدول اللاتينية إسرائيل، عبر تبني مشروع القرار المقدم للأمم المتحدة في العام ذاته، الذي وضع قبول العرب بـ"إسرائيل"شرطًا رئيسًا لانسحاب الأخيرة من الأراضي المحتلة؛ واعترافًا بحقها في الوجود الآمن، والتفاوض المباشر مع العرب.

غير أن تحولًا هيكليًا في توجهات السياسية الخارجية اللاتينية تجاه إسرائيل بدأ منذ العام 1973 مع انتهاج بعض دول القارة، مثل شيلي، والأرجنتين، وبيرو، والإكوادور، سياسة عدم الانحياز، ما أدى إلى اتخاذها مواقف إيجابية من القضية الفلسطينية. ناهيك عن صعود حكومات ذات توجهات يسارية في بعض الدول اللاتينية، كان رفض السلوك الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط جزء من توجهها العام.

ثانيًا: دلالات الزيارة

انطلاقًا من الأبعاد التاريخية السابقة، يمكن القول إن زيارة نتانياهو للدول اللاتينية الثلاث تحمل عددًا من الدلالات المهمة، منها أن رئيس الوزراء نتانياهو الساعي إلى استعادة دور إسرائيل في أفريقيا، أراد تعويض الحرج الذي تعرض له بعد طلب توجو إلغاء القمة الأفريقية- الإسرائيلية التي كان مقررًا لها أكتوبر المقبل (2017). كما سعى نتانياهو عبر هذه الجولة إلى إحداث توازن مع القوى الفاعلة في القارة اللاتينية من خارج القارة، خاصة إيران وتركيا، ومحاولة إقناع المجتمعات اللاتينية بأن إسرائيل ليست كيانًا إمبرياليًا استيطانيًا.

في هذا السياق، تتسارع استراتيجية الاستدارة الإسرائيلية إلى أمريكا اللاتينية التي يرفع لواءها نتانياهو. وأمريكا اللاتينية هي ساحة معركة دبلوماسية كبيرة لإسرائيل في مواجهة كل من السلطة الوطنية الفلسطينية، وإيران، وذلك على خلفية الدعم الكبير الذي تحظى به القضية الفلسطينية داخل دول القارة، وأيضا بعد أن نجحت طهران في اختراق القارة التي تمثل حديقة خلفية لواشنطن، وطبعت علاقاتها مع كثير من دولها. ناهيك عن إحراز إيران اختراقات جذرية لبعض المجتمعات اللاتينية، وذلك عبر مشاريع استثمارية فى مجالات النفط والطاقة والزراعة بجانب قروض ومعونات بفوائد مخفضة أو بدون فوائد.

ثالثا: أهداف الزيارة

يسعى نتانياهو من هذه الزيارة إلى تحقيق عدد من الأهداف، يمكن تحديدها فيما يلي:

1- تحريك المياه الراكدة

يسعى نتانياهو إلى إحداث نقلة نوعية مع القارة اللاتينية بعد سنوات من القطيعة والفتور، إذ شهدت العلاقة بين إسرائيل وقطاع واسع من الدول اللاتينية توترًا قبل عدة أعوام بعد اعتراف الأخيرة بالدولة الفلسطينية الموحدة داخل حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وجاء فى مقدمة هذه الدول البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والأكوادور وأوروجواي وشيلي والمكسيك، والتي اعترفت بفلسطين دولة حرة مستقلة.

واقع الأمر، إن القضية الفلسطينية، لم تغب يوما عن اهتمام دول أمريكا اللاتينية، بل إنها حظيت بتأييد قوى من دول القارة باستثناء المكسيك، وكولومبيا وبنما، التي تربطها علاقات اقتصادية وعسكرية قوية بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على حد سواء.كما قامت أكثر من دولة فى القارة عشية عملية "الجرف الصامد" التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة في يوليو 2014، بإغلاق سفارة إسرائيل لديها، فضلا عن تأكيد القمم العربية- اللاتينية الدورية "أسبا" على دعم الموقف الفلسطيني ورفض عملية الاستيطان.

وبمعنى آخر، يمكن القول إن زيارة نتانياهو تهدف إلى إحداث اختراق في الدول اللاتينية الداعمة للقضية الفلسطينية، وكسب تأييدها لمصلحة الطرح الإسرائيلي داخل المنظمات الدولية. لذا حرص نتانياهو في محطة الأرجنتين التي استقبلته بحملة احتجاج واسعة عشية وصوله، على إحياء ذكرى تفجير السفارة الإسرائيلية عام 1992 والمركز اليهودي في بيونس أيرس عام 1994.

2- تطوير العلاقات الاقتصادية

يتعلق الهدف الثاني لهذه الزيارة بسعي نتانياهو إلى تطوير العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية بأمريكا اللاتينية. بدا ذلك واضحًا في توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية. وتجدر الإشارة هنا أن إسرائيل هي الشريك التجاري الأكبر للمكسيك داخل إقليم الشرق الأوسط، وثاني أكبر مستثمر أجنبي بها بعد الولايات المتحدة. غير أن معدل التبادل التجاري بين البلدين يتحرك ببطء شديد، فقد تطلب الأمر ست سنوات، حتى يرتفع حجم التبادل التجاري بينهما من 600 مليون دولار في عام 2010 إلى نحو 700 مليون دولار في عام 2016. كذلك بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى البرازيل في العام 2014 نحو 464 مليون دولار، إضافة إلى تطور علاقات التعاون في مجالات عديدة، خاصة الزراعة والتجارة.

ورغم أن الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية تعد هدفًا مهمًا لاقتصادات أمريكا اللاتينية، خاصة في مجالات تكنولوجيا المياه والزراعة، إلا أن حجم التجارة بين إسرائيل ودول أمريكا اللاتينية لازال محدودًا، بحكم تصاعد الخلافات السياسية بين إسرائيل وعدد من دول أمريكا اللاتينية. من ذلك، على سبيل المثال، رفض البرازيل في أغسطس 2015 تعيين داني ديان- الأرجنتيني المولد- سفيرًا لإسرائيل لدى البرازيل، استنادًا إلى تورطه في بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.

لمتابعة القراءة

http://acpss.ahram.org.eg/News/16401.aspx

قراءة 1741 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)