تقدم به خليط من الأحزاب السياسية الشيلية،يُطالب رئيسة البلاد، ميشيل باشليه، المُنتمية لتيار ائتلاف يسار الوسط، المُجسدة والمُمثلة لتيار اليسار الجديد بأمريكا اللاتينية، بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، المُعلنة من طرف جانب والغير المعترف بها من طرف الأمم المتحدة و الأسرة الدولية، وبناء على الاعتراف بها، إقامة علاقات ديبلوماسية معها، وذلك بتبادل اعتماد السفراء معها، وكأن الأمر يتعلق بجمهورية قائمة الذات وذات شرعية دولية وأممية.
المُصادقة على هذا القرار يندرج بالعودة إلى التاريخ في إطار حروب سحب الاعتراف وتجميد الاعتراف وإعادة الاعتراف بالجمهورية المعلنة من جانب واحد و المدعومة من طرف الجزائر وفي إطار حروب استقطاب البرلمانات اللاتينية بغرفتيها بأمريكا اللاتينية المستعرة بين المغرب وخصوم وحدته الترابية وحلفائهم. إلا أن استهداف الشيلي بالتحديد من بين جمهوريات أمريكا اللاتينية وفي هذه الظرفية بالذات، عشية انعقاد دورة لمجلس الأمم للبث في قضية الصحراء، ليست بالصدفة وإنما خطوة مدروسة بعناية، كون الشيلي تعتبر بالدولة العضو الغير الدائم بمجلس الأمن واكتساب اعترافها سيعتبر ضربة للمغرب قد تؤثر على قرار المجلس.
هذه المصادقة ليست بالحدث الجديد بأمريكا اللاتينية عموما وبالشيلي تحديدا، بحيث سبق وأن قام برلمان الشيلي نفسه شهر شتنبر من عام 1999 بالمصادقة على مشروع قرار، شبيه بمشروع هذا العام من عام 2014، يطالب رئيس الشيلي آنذاك بالاعتراف بذات الجمهورية وإقامة علاقات ديبلوماسية معها، إلا أنه لم يجد سبيلا إلى ذلك. بعدئذ، قامت مجموعة من النواب المتعددة المشارب السياسية، شهر أكتوبر 2007، بتوجيه رسالة إلى رئيسة الشيلي تطالبها بالمطالب عينها، الاعتراف وإقامة علاقات ديبلوماسية، إلا أنها لم تقم بذلك. المطالب نفسها جدَّدها هؤلاء النواب شهر يوليوز من عام 2009 وغشت عام 2010 من دون أية أثار تُذكر.
دوافع ومبررات التقدم بمشروع القرار مردود عليها وغير مُؤسسة على معطيات دولية أو أممية أو أية مشروعية، و إنَّما مبنية على اعتبارات عاطفية وانحيازية، تريد من الشيلي الانحياز في قضية بعيدة عنها، تخوض فيها الأمم المتحدة، الوحيدة المخول لها البث فيها، بالرجوع إلى الشرعية والمواثيق الدولية، سيَّما وأنها غير مُعترفة رسميا بجبهة البوليساريو وغير مُعترفة كذلك بالجمهورية المعلنة من طرف واحد والغير المعترف بها من طرف الأمم المتحدة، خصوصا وأنها تدعم، انسجاما مع مواقف الأسرة الدولية، المساعي الأممية، وتشجع الأطراف المعنية على الالتزام بالحوار والتفاوض للبحث عن تسوية عادلة ودائمة للنزاع.
فهذه المطالب المتكررة والغير المجدية لها خلفيات ودلالات كثيرة ومختلفة. فهناك، أولا، تقارير حقوقية تشيلية قامت بإعدادها منظمة شيلية غير حكومية تهتم بالأمن والسلام بالعالم بالمخيمات الصحراوية بتندوف، جنوب-غرب الجزائر، قُدمت في جنيف أمام المشاركين في أعمال الدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المقامة خلال الفترة الممتدة بين 3 و 28 مارس 2014، أشارت إلى انتهاكات جسيمة وخروقات شنيعة لحقوق الإنسان في المخيمات واحتجازات قصرية في صفوف شباب التغيير وأدانت اعتقالات تعسفية ومعاملات غير انسانية تجاه السجناء وشجبت معاملات عسكرية ضد الساكنة المدنية.
ثانيا، انتشار أصداء الإبادة الجماعية الشنيعة التي يبحث ويحقق فيها القاضي الاسباني بابلو روز منذ نوفمبر 2012 بطلب من الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان وثلاث ضحايا لهذه الأحداثبالعديد من وسائل الاعلام التشيلية الذائعة الصيت، بسبب ارتكابها بالصحراء سنة 1979، ضد ساكنتها الأصلية من طرف ضباط تابعيين للجيش الجزائري ومسؤولي أمنيين وأعضاء نافدين من جبهة البوليساريو، وذلك بتورطهم في اقترافهم جرائم، تعتبر جرائم ضد الانسانية و جرائم إبادة في حق مجموعة من الصحراويين وتحملهم مسؤولية اختفاء معارضين للبوليساريو وتورطهم في تعذيب آخرين بمخيمات اللاجئين في تندوف.
ثالثا، استمالة المغرب لمجموعة من الجمهوريات واقناعها بتبنيها لمواقف حيادية ومُتزنة من النزاع في قارة كانت غالبية جمهورياتها تدعم النزعة الانفصالية بجنوب المغرب وكانت تعتبر الأخير، خِلافا للقرارات الأممية، ‘قوة استعمارية’ و’سلطة غير شرعية’ بالصحراء وتدعو ليس فقط بتقرير المصير وإنما باستقلال الصحراء عن المغرب، إيمانا منها، زورا و باطلا، بالدفاع عن القضايا التحررية، من دون أن تكون قضية الصحراء المغربية في هذه المصاف من القضايا بحسب معايير الأمم المُتحدة. ناهيك عن استمرار الديبلوماسية المغربية في تقوية علاقاتها بأصدقائها في المنطقة واستمرارها في استقطابها الجمهوريات المُحايدة.
الهدف من هكذا مناورات، نسف المحادثات المغربية-الشيلية المتعلقة بإقامة معاهدة للتجارة بمزايا تعريفية تفضيلية تهدف الشيلي إلى ابرامها مع المغرب، لكونه سوقا استهلاكية للتصدير إليه، في انتظار إبرام معاهدة التجارة الحرة معه. ناهيك عن نسف العلاقات الوثيقة التي تجمع برلمان الشيلي ببرلمان المغرب ونسف مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية-التشيلية وتشويشا على نجاحات المغرب بأمريكا اللاتينية ونجاح آلته الديبلوماسية في كسر شوكة التحالفات الإيديولوجية التقليدية في القارة اللاتينية ونجاحه في تحييد العديد من الجمهوريات اللاتينية من النزاع واستفادته من تصاعد الحكومات الداعية إلى الالتزام بالمقررات الأممية.
وبقراءة سياسية واقعية، فإن الرئيسة ميشيل باشليه لن تعترف بالجمهورية بسبب افتقارها إلى مقومات الدولة بموجب القانون الدولي والتزامها مبدئيا بالاستمرار في دعم تقرير المصير تماشيا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مثلما تلتزم بالحياد والاتزان وعدم الانحياز، سيَّما وأنَّ سياستها الخارجية تتسم بالبراغماتية ومواقفها من القضايا الدولية تتم صياغتها بالرجوع إلى المواثيق الدولية، مما سيجعل النزعة الانفصالية بجنوب المغرب المدعومة من طرف الجزائر تُصاب بانتكاسة مدوية في مخططاتها المستهدفة للمغرب بأمريكا اللاتينية، واحساسها بإحباط وخيبة كبيرة في استعادة حضورها بأمريكا اللاتينية كما كانت عليه سابقا.
أمَّا اخفاقات النزعة الانفصالية بجنوب المغرب بنزع اعتراف الشيلي فكثيرة للغاية. فسنة 1991، لم يعترف الرئيس الشيلي آنذاك باتريسيو أيلوين بالجمهورية المعلنة من جانب واحد بالرغم من لقائه وفودا ومبعوثين عن جبهة البوليساريو.الانتكاسة نفسها عاشتها عام 2006، بحيث لم يعترف إيدواردو فراي رويز تكلي بالجمهورية، مثلما لم يقم بذلك الرئيس ريكاردو لاغوس إذ لم يتخذ أي قرار للاعتراف مثلما لم يقم بذلك أيضا الرئيس سيباستيان بينيرا في عهدته. فكيف للرئيسة ميشيل باشليه، الاعتراف بجمهورية مُعلنة من جانب واحد وتطارد أصحابها دعاوي قضائية بتهمة الإبادة والاشتباه بالإرهاب، وما بالك بإقامة علاقات ديبلوماسية معها.
http://www.mwn.ma/?p=57582