بعد فوز خوان مانويل سانتوس مرشحا لتيار (اليمين-الوسط) برئاسيات كولومبيا لعهدة رئاسية ثانية تمتد إلى سنة 2018، و ذلك بلعبه بذكاء وحنكة بحملته الانتخابية، لورقة السلام والمفاوضات مع "القوات الثورية الكولومبية المسلحة"، المعروفة اختصارا "الفارك"، تطرح من جديد أسئلة عديدة متعلقة بالسياسة الخارجية المستقبلية لكولومبيا وموقفها من النزاعات الدولية بصفة عامة ونزاع الصحراء بصفة خاصة، ناهيك عن العلاقات الثنائية المغربية-الكولومبية السياسية و الاقتصادية.
بالنسبة للسياسة الخارجية لكولومبيا، فيرتقب اتسامها طيلة الأربع سنوات القادمة، بالبراغماتية و الواقعية السياسية، ومواقفها من النزاعات الدولية ستتسم بالالتزام بالحيادية بدلا من الانحيازية، كما سيتم اتخادها كذلك بالرجوع إلى المواثيق الدولية و بالاستناد إلى تعهداتها الدولية، خاصة وأنَّها اليوم (كولومبيا) ليست بالدولة غير المبالية بالوضع القائم بالعالم والدولة الغير الممتثلة للأمر الواقع به، وإنما بالدولة الفاعلة والمتفاعلة مع ديناميكية عالم اليوم و المتجاوبة مع نداءات الأسرة الدولية.
أمَّا فيما يهم موقف كولومبيا من نزاع الصحراء، فيرتقب استمراريتها بدعم المساعي الأممية تحت إشراف الأمانة العامة للأمم المتحدة وبعثتها الشخصية، بهدف بلوغ تسوية سياسية نهائية، عادلة ودائمة، ومقبولة من طرف جميع الأطراف. كما ستستمر بعدم دعمها طرفا على حساب الأخر، و إنَّما ستتشبث بالقرارات الأممية، وستلتزم بالحيادية، بعدما كانت تؤيد علانية النزعة الانفصالية بجنوب المغرب وستمتنع عن أية مبادرة أحادية متعلقة بالصحراء، طالما الأمم المتحدة لم تبث بعد في النزاع.
إلا أنَّ الاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" المعلنة من جانب واحد، فتعتبرا أمرا مستحيلا، بالقطع والجزم، لسبب بسيط، وهو أن الأمر غير متعلق بجمهورية قائمة الذات وفاقدة للشرعية الدولية والأممية، وكولومبيا غير راغبة بالانحياز في قضية بعيدة عنها، تبث فيها الأمم المتحدة، الوحيدة المنوط بها الحسم فيها، وعليه فستستمر بدعم التسوية الأممية، السياسية-التفاوضية، انسجاما مع مواقف الأسرة الدولية وتشجيع الأطراف المعنية على ايجاد تسوية مقبولة من طرفهما.
فكولومبيا لن تعترف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، بسبب افتقارها إلى مقومات الدولة بموجب القانون الدولي والتزامها مبدئيا بالاستمرار في دعم تقرير المصير تماشيا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مثلما تلتزم بالحياد والاتزان وعدم الانحياز، كما أنَّ المغرب بدوره سيستمر بدعمه سياسيا للمبادرات و الجهود المبذولة من الرئاسة الكولومبية الحالية، بهدف إيجاد تسوية سلمية للنزاع المسلح الدائر بكولومبيا بين السلطات الحكومية و القوات المسلحة الثورية الكولومبية (الفارك).
أمَّا اعتراف الرئاسة الجديدة اليوم فيعد أمرا متعذرا، كونها لم تعترف طيلة ولايتها الرئاسية السابقة، وحزبها "كتلة الوحدة الاجتماعية"، يقف مبدئيا مع وحدة الدول الترابية، انطلاقا من اعتباره حزبا يمينيا وليبراليا، وذلك انسجاما مع مقرراته الحزبية، كما أنَّ له تقاطعات كبيرة مع المحافظ بيليساريو بيتانكور، المعترف سنة 1985، بما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، بعدما تداركت حكومة أندريس باسترانا اليمينية الخطأ وأعادت الأمور إلى نصابها بسحب ذات الاعتراف سنة 2000.
بالجهة المقابلة ينتظر استمرار تحرشات الأطراف الانفصالية بسيادة المغرب على صحرائه و وحدته الترابية الغير القابلة للتجزئة بالبرلمان والأحزاب و الجامعات و المنظمات المدنية و غير الحكومية الكولومبية، وذلك بدفع برلمان كولومبيا باتخاذ قرارات مناهضة للمغرب وتوريط بوغوتا في أزمة ديبلوماسية مجانية مع الرباط، و ذلك بمطالبته بالاعتراف وإقامة علاقات مع ما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها من طرف هيئة الأمم المتحدة.
هذه التحرشات بالمملكة المغربية ستستمر بتوظيف الأطراف البرلمانية الكولومبية المؤيدة للنزعة الانفصالية بجنوب المغرب، وذلك بزعامة السيناتور خورخي انريكي روبليدو كاستيو عن حزب "الكتلة الديمقراطية البديلة" والسيناتور خوان فرانسيسكو لوسانو راميريز عن حزب "المجتمع والوحدة الوطنية"، النشطاء بما يصطلح عليه "مجموعة الصداقة مع الصحراء الغربية"، بهدف توريط المؤسسة البرلمانية الكولومبية و إرباك العلاقات المغربية-الكولومبية و تعكير صفوتها.
كما يرتقب أيضا استمرار النزعة الانفصالية بجنوب المغرب، بكولومبيا، بانتهاج استراتيجية دعائية ضد مصالح المغرب، ما زالت عاجزة عن مواجهتها أو منافستها السياسية الاعلامية الرسمية للمغرب، و ذلك باستراتيجية هجومية يكون لها وقع و تأثير، تفلح في تفنيد و تكذيب مزاعم الأطراف الانفصالية، تقوم بتشويه صورة المغرب و تغليط الرأي العام بأمريكا اللاتينية، اللهم إذا قمنا باستثناء التكذيبات و بيانات الحقيقة الصادرة، كردود فعلية دفاعية عن وكالة الأنباء الرسمية.
إلا أنه تجدر الإشارة، انصافا بالحقيقة، الإشادة بأنَّ كولومبيا تدعم مبادرة الحكم الذاتي و تدعم كذلك الإرادة السياسية المغربية لتسوية النزاع و تدعم المقاربة الواقعية السياسية للمغرب، انطلاقا من كونها بنفسها (كولومبيا) تقوم بتدبير نزاعها المسلح مع المليشيات المحلية، "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" المعروفة اختصارا (فارك) بالاعتماد على المقاربة الإرادية والواقعية السياسية، المستندة على المقاربة التوافقية و التفاوضية، الرامية إلى ايجاد تسوية سياسية، سلمية و عادلة، و نهائية للنزاع.
أمَّا للتذكير، فقد سبق للجنة الثانية بالغرفة السفلى لبرلمان كولومبيا، المكلفة بالعلاقات الخارجية و السياسات الأمنية والدفاعية، أن قامت سنة 2008، بصياغة توصية تنوه بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي بالنسبة للأقاليم الجنوبية، اعتبرتها مبادرة بناءة و منتجة، و بناء على هذا التقدير، فإنَّ المنتظر إلى حدود 2018، نهاية الولاية الرئاسية الجديدة، اخفاق النزعة الانفصالية بجنوب المغرب بإقناع الحكومة الكولومبية بطروحاتها، ما يُفسر امكانية نقلها لحربها على المغرب إلى المؤسسة البرلمانية.
أمَّا بالنسبة للأفاق المستقبلية، فالمطلوب آنيا، هو بلورة الإرادة السياسية للمغرب و كولومبيا إلى مشاريع عملية وانكباب الحكومات على استكشاف الامكانيات المتاحة للتعاون و التنسيق و تحديد الآليات الناجعة الكفيلة لترجمة هذه الإرادة السياسية إلى انجازات و تعزيز الشراكة الثنائية و تقوية المبادلات التجارية للاستفادة المتبادلة، خاصة و أن المغرب اليوم أصبح عضوا ملاحظا بتكتل "تحالف المحيط الهادي" (المكسيك و كولومبيا والبيرو والشيلي) و له تمثيلية تجارية بمدينة الدار البيضاء.
إلا أن الأكيد اليوم هو أنَّ العلاقات الثنائية المغربية الكولومبية الحالية لم تعد مجرد علاقات صداقة، تقليدية و ثابتة، و إنما علاقات شراكة مندمجة وذات ديناميكية متزايدة. كما أن سحب كولومبيا الاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" سنة 2000 بعدما اعترفت بها سنة 1985، كانت آثاره ايجابية وقوية على العلاقات البينية، المغربية-الكولومبية، ما يستوجب استثمارها أكثر فأكثر، يوما بعد يوم، و توظيفها مستقبلا لمزيد من المصالح المشتركة و تقوية العلاقات الثنائية بين كولومبيا و المغرب.
الملك محمد السادس بعث من جهته ببرقية تهنئة للسيد خوان مانويل سانتوس بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لجمهورية كولومبيا لولاية ثانية، أعرب له فيها عن تهانئه و متمنياته له بالتوفيق و السداد في مهامه، و عليه فإنَّ الكرة الآن بملعب الحكومة للتوجه صوب كولومبيا لتقريبها أكثر فأكثر من المغرب، خاصة و أن التوجه مستقبلا نحو أمريكا اللاتينية و العثور على موطأ قدم بها، لن يكون خيارا و إنما ضرورة، خاصة و أن العديد من القوى الدولية و الصاعدة تتقرب اليوم من القارة اللاتينية.
أمَّا الديبلوماسية المغربية، المتواجدة و الفاعلة بأمريكا اللاتينية، فمطالبة بمزيد من تغطية هذه القارة، وذلك تفاعلا مع المتغيرات الاقليمية المتسارعة بها، بهدف تحريك ديناميكية التعريف بالمغرب وبنموذجه ومكاسبه، وتسويق منتجاته ذات القيمة الإضافية، وترويج انجازاته ومؤهلاته، وابراز مكانتها الاقليمية، وذلك لتقوية علاقاته بأمريكا اللاتينية، انطلاقا مما أصبحت تستدعيه العولمة المتسارعة ومستلزمات الضرورة الدولية، نظرا إلى حاجة الانفتاح على أسواق استهلاكية جديدة.
أحمد بنصالح الصالحي: مهتم و متتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و العلاقات المغربية-الأمريكية اللاتينية