
بينما تستمر أوروبا وتكتل التجارة ميركوسور، الذي يتكون من الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، في التفاوض، تصنع الولايات المتحدة لنفسها مجالات جديدة من خلال اتفاقيات جديدة في المنطقة.
ولو كان الأمر متروكًا للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (80 عامًا)، فلن يقف أي شيء في طريق توقيع اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي وتكتل ميركوسور الاقتصادي في 20 كانون الأول/ ديسمبر في عاصمة البرازيل ريو دي جانيرو. وستكون هذه الاتفاقية نهاية ناجحة لأكثر من عقدين من المفاوضات، وكذلك "أكبر اتفاقية" في التجارة العالمية، كما قال الرئيس لولا على هامش قمة العشرين في جنوب أفريقيا.
حان الوقت بالنسبة لأوروبا
ولكن كثيرًا ما كان الاتحاد الأوروبي يتوهّم أنَّه وصل إلى هدفه، وحتى هذه المرة ربما تصبح الأمور شديدة جدًا: فرنسا والمجر هما الأكثر إصرارًا على التغيير، لأنَّهما تخشيان على صناعتهما الزراعية.
ولذلك في حين أنَّ الاتفاقية التي تسعى إليها الصناعة الأوروبية ما تزال معلقة بخيط رفيع، يضغط الأمريكيون من أجل التسريع. وفي الأسابيع الأخيرة تم الإعلان عن اتفاقيات ومعاهدات والتفاوض عليها مع عدد من دول أمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين وغواتيمالا والسلفادور والإكوادور، وهدفها هو إحداث تحول في الموازين التجارية، والأهم من ذلك التغلب على الصين.
تعزيز الوجود الأمريكي
"تعزز هذه الاتفاقيات على المستوى الجيوسياسي الوجود الأمريكي في ظل تزايد المنافسة مع الصين في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا والمعادن الحرجة"، كما قال الخبير السياسي فلاديمير روفينسكي من جامعة ICESI في مدينة كالي (كولومبيا) إثناء حديثه مع دويتشه فيله.
وهذا لا يعتبر تطورًا سيئًا بالنسبة للشركاء في أمريكا اللاتينية، كما يقول خبير العلاقات الدولية روفينسكي: "من خلال تعميق التعاون الاقتصادي بآليات ملموسة تكسب البلدان في أمريكا اللاتينية مجالًا أكبر للمناورة والوصول إلى التعاون التقني وفرصًا لتنويع إنتاجها".
وهذه الاتفاقيات ستساهم بشكل عام في ترسيخ المنطقة ضمن الأولويات الاقتصادية الجديدة في نصف الكرة الأرضية وتحسين وضعها في النظام الاستراتيجي العالمي الجديد.
الصين على المسار السريع
وفي المنافسة الثلاثية على كسب ود أمريكا اللاتينية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، تتقدّم بكين حاليًا. وتظهر ذلك الأرقام الخاصة بالأرجنتين: نجحت الصين أيضًا في أن تصبح الشريك التجاري الأكثر أهمية في الأرجنتين وتتجاوز البرازيل. وتمكنت الصين في تشرين الأول/أكتوبر من تعزيز مكانتها الرائدة بصادرات بلغت قيمتها 1.166 مليار دولار أمريكي (زيادة نسبتها 241.4 بالمائة مقارنة بالعام السابق)، وبوارداتها بلغت قيمتها الإجمالية 1.862 مليار دولار أمريكي (زيادة نسبتها 33.7 بالمائة).
بينما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة نفسها إلى المركز الرابع وقد تجاوزتها البرازيل والاتحاد الأوروبي. وهذا يفسر أيضًا اهتمام واشنطن بعقد اتفاقية تجارية مع الأرجنتين.
وفي المقابل استطاعت أمريكا اللاتينية زيادة صادراتها إلى الصين وإيراداتها بنسبة 7 بالمائة. ويعود ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع مبيعات اللحوم وفول الصويا وارتفاع أسعار المعادن مثل النحاس، حسبما ورد في تقرير نشرته قبل أيام قليلة اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (ECLAC).
وجاء في التقرير أيضًا أنَّ "الولايات المتحدة الأمريكية تفرض بشكل عام رسومًا جمركية أقل على دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي مما تفرضه على العديد من أهم شركائها التجاريين، وخاصة في آسيا". وهذا الوضع يتيح فرصًا لتحولات في اتجاه تجارة لصالح الصادرات من المنطقة في قطاعات مثل الملابس والأجهزة الطبية والصناعات الزراعية.
الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن شراكة
تبحث الولايات المتحدة الأمركية الآن عن شركاء من أجل تحسين موقعها في المنطقة وتعتمد في ذلك على تكتيك معروف منذ زمن قديم، كما تقول ديانا لونا: "يظهر في أمريكا اللاتينية أسلوب 'العصا والجزرة‘ التقليدي الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها التجارية. والدول التي تقدم لها خدمات في مجالي الهجرة والأمن (مثل غواتيمالا والسلفادور والإكوادور) وكذلك الدول ذات التوجهات المماثلة (مثل الأرجنتين) - يتم تفضيلها بشكل ملحوظ"، كما قالت ديانا لونا من مؤسسة فريدريش إيبرت في حديث مع DW.
الأرجنتين: سوق المستقبل
وهذه الاتفاقيات ستعزز مكانة هذه الدول كشركاء استراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية، وتشكل إشارة واضحة في ظل تزايد حضور الصين. "تمثل الاتفاقيات في الأرجنتين أول إجراء ملموس بعد الالتزام المالي من إدارة ترامب. فهي تعزز بشكل خاص الاستثمارات في قطاع الأدوية، وترسل إشارة قوية إلى الأسواق مفادها أنَّ الاستثمار في الأرجنتين مربح - وهي إشارة مهمة لرؤساء يعتمدون على الاستثمارات الأجنبية لتنشيط الاقتصاد، مثل الرئيس الأرجنتيني خافير ميلي"، كما تقول ديانا لونا.
وتعتبر الأرجنتين في هذا الصدد حالة مثيرة للاهتمام بشكل خاص: فهي تواجه تحديات معقدة، لأنَّ التوفيق بين أطر التجارة الأمريكية الجديدة وقواعد تكتل ميركوسور قد يكون صعبًا للغاية. والأرجنتين تخاطر بالاضطرار إلى الاختيار بين الإطار الأمريكي وعضويتها في ميركوسور - مع احتمال أن يكون لذلك عواقب وخيمة على البرازيل والتجارة كلها داخل التكتل، كما تقول ديانا لونا.
يوجد تأثير مباشر للاتفاقية بين الأرجنتين والولايات المتحدة الأمريكية وهو احتمال خسارة الحصص السوقية بالنسبة للمنتجات البرازيلية، وذلك لأنَّ السلع الأمريكية الأرخص يمكن الآن أن تصل إلى هذه الدولة المجاورة، كما قالت مارسيلا فرانزوني، خبيرة العلاقات الدولية في جامعة Ibmec البرازيلية، لمجلة فالور.
أما الأوروبيون فهم أنفسهم المسؤولون عن كونهم ما يزالون الآن في حالة انتظار، كما تقول الخبيرة ديانا لونا: لأنَّهم يستمرون في تقديم الكثير من الطلبات الخاصة في محادثات التجارة الحرة. بينما تبدو الاتفاقيات الأمريكية الثنائية جذّابة بنتائج سريعة وملموسة.
30/11/2025
https://www.dw.com/