البرازيل تقود أمريكا اللاتينية إلى نهاية دورتها الاقتصادية

الثلاثاء, 21 كانون1/ديسمبر 2021 15:16

في العقدين الماضيين، وفي العام ٢٠٠٢ تحديدا صعد الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى سدة الحكم - وقد كان مرشح الحزب اليساري المتطرف إلى الرئاسة – وقد خلق وصوله للرئاسة واحدةً من أفضل الفرص الاستثمارية في التاريخ المالي الحديث، حيث أن دا سيلفا يعتبر رئيساً إصلاحياً، وعلى الرغم من أن أسواق الأسهم البرازيلية كانت في بداية وصوله للحكم قد انهارت، إلا أنها سرعان ما عاودت الارتفاع بعدما استطاع الرئيس كسب ثقة المستثمرين، وقد حققت أسواق الأسهم البرازيلية في ذلك العهد قمماً تاريخية متواصلة، لم تنقطع هذه القمم إلا عندما تعرض العالم للأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨، ثم لم تعد الأسواق البرازيلية بعد ٢٠٠٨ كما كانت من قبل وان كانت قد استمرت في التغلب على المؤشر الأمريكي ستاندرد آند بورز ٥٠٠.


يظهر الرسم البياني أنه الآن وتحت قيادة الرئيس بولسونارو البرازيل قد مَحت كل مكاسبها التي حققتها وعادت تقريباً إلى ما كانت عليه في عام ٢٠٠٢:


ستبدو الصورة أكثر قتامة عندما ننظر للقارة ككل، حيث يبدو أن القارة تتبع ذات المسار منذ بداية الألفية، ابتداءً من التغيير في القوى السياسية كما حصل في المكسيك عندما أسقط الحزب الثوري المؤسساتي من سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع بعد ما كان حاكماً للبلد لمدة ٧١ عاما، ومروراً بانقلاب المعارضة الفنزويلية غير الناجح ضد الرئيس هوجو تشافيز، وانتهاءً بالأرجنتين فقد كانت تتخلى تدريجياً عن الارتباط بالدولار الأمريكي منذ العام ٢٠٠١ ثم تلى ذلك عودة الحركة البيرونية (حركة سياسية أرجنتينية تدعو إلى العدالة الاجتماعية) إلى السلطة.

وفي خُضُمَّة هذه الأجواء المتوترة، كان السياسيين اللاتينيين قد أرسوا القواعد لعهد مزدهر لم يصل إلى قمته إلا في عام ٢٠١١، بعد الأزمة المالية بسنتين، خلال ١٠ سنوات كانت أسواق المال اللاتينية تحقق عوائد أعلى من عوائد مؤشر MSCI بما يقارب ٣٦٠% ولكن بدأت هذه الأرقام المزدهرة بالتلاشي تدريجياً.


ثمة عاملين ساهما خلف هذا الانتعاش، العامل الأول: هو أن العالم كان يسير في اِتجاه يخدم مصالح أمريكا اللاتينية، حيث كان الطلب الصيني على المواد الأساسية يتزايد فازدهرت معه الاقتصادات القائمة على التنقيب، كذلك كانت التحويلات المالية من المهاجرين اللاتينيين في الولايات المتحدة إلى ذويهم في أمريكا اللاتينية والفرص في الأسواق المالية اللاتينية جعلت من هذه الدول مصباً للأموال. أيضاً كان المضاربون بفرق معدلات الفائدة من العوامل المهمة في زيادة التدفق النقدي لهذه الدول، حيث إنهم كانوا يستخدمون زوج الين الياباني والريال البرازيلي في عمليات المضاربة نظراً لفرق معدلات الفائدة الكبير بين البلدين مما يعزز اِحتمالية حصولهم على عائد أعلى. أيضا مع بروز ظاهرة الاستثمار الخامل كانت الأسواق الناشئة مثل السوق البرازيلي والهندي والروسي وغيرها محفزة وجاذبة للمستثمر نظراً لما تمتلك من فرص للنمو.

 

العامل الثاني: قد أثبت السياسيون للمستثمرين الدوليين أنه يمكن الثقة بهم، فقد كان الرئيس البرازيلي دا سيلفا رجلاً براغماتياً (عملياً) في إدارته للبلاد، وفي المكسيك كانت تدير مجموعة من الاقتصاديين الأمريكيين دفة الاقتصاد المكسيكي للتخلص من التضخم العالي، وفي المجمل نستطيع القول إننا إذا اِستثنينا فنزويلا تشافيز؛ فإن المنطقة كانت مستقرة وليس فيها ما يستدعي الخوف.

 

كل هذه العوامل أصبحت مفقودة بعد أزمة كورونا مما تسبب في كشف ضعف الإدارة السياسية في أمريكا اللاتينية.

 

وفي ٢٠١٨ عندما اِنتخبت البرازيل بولسونارو كانت الأسواق قد اِستقبلت خبر وصوله للرئاسة البرازيلية بشكل جيد وقد قام بولسونارو بإصلاحات في ضمانات المتقاعدين ويراها الكثير أنها مهمة جدا لإصلاح الأزمة المالية الصعبة التي تعاني منها البرازيل. أما في المكسيك وفي ذات السنة فقد صعد اليساري المخضرم أندريس مانويل لوبيز أوبرادور أو ما يعرف بأحرفه الأولى (أملو) إلى السلطة وقد استقبلته الأسواق باللون الأحمر. ولكن أثبت مع الوقت أنه أكثر براغماتية مما كان يُعتقد عنه، وكان محافظاً من جهة إدارته للسياسات المالية.

 

ولكن كان فيروس كورونا هو الكارثة التي حلت على الاثنين، على الرغم من أن مجموع الحالات في أمريكا اللاتينية أقل من مجموع الحالات في نيويورك ولكن الخطر يكمن في معدلات النمو العالية والتي لا تظهر أن ثمة مؤشر لتسطيح المنحنى.


في البرازيل قام بولسونارو بوصف فيروس كورونا بأنها " أنفلونزا بسيطة" وكان في حينها يشارك في الاحتجاجات ضد اجراءات الحظر والعزل المنزلي التي أدت إلى توقف الأعمال، وقام بطرد وزير الصحة الذي كان يحظى بالاحترام الكبير، ثم تبعه وزير العدل بالاستقالة مدعياً أن هناك تدخلات سياسية في القضاء ويواجه بولسونارو الآن مطالبات بالاستجواب.

 


أما في المكسيك فقد كان (أملو) متساهلاً جدا في التعامل مع الفايروس، حيث كان يختلط مع الناس في الراليات وينشر صوراً للقديسين على أنهم وسيلة للحماية من الوباء، وقد قام بمخالفة كل التوقعات عندما رفض الاِستمرار في سياسات التوسع المالي واتجه إلى التقشف، أما عن الدول الأخرى فقد قاموا بدعم الاقتصاد بكل ما لديهم من اِستطاعة، فعلى سبيل المثال قامت دولة البيرو بدعم الاقتصاد بحزمة مالية تعادل ١٢٬٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وقد أخطأ (أملو) قبل اِنتخابه واخذ الاتجاه المعاكس لمخاوف السوق، وعلى هذا فإن الثقة في الحكم لكل من الرئيسين في أمريكا اللاتينية أصبحت الآن ضعيفة بشكل خطير.

 

وفي الوقت نفسه، فإن الظروف الاقتصادية التي ساهمت في نمو المنطقة قبل عقدين من الزمن بدأت تعمل الآن ضدها، حيث أثر الفيروس على الطلب على المواد الأساسية بشكل حاد، وعلى الرغم من أن معدلات التضخم في المنطقة لا زالت تحت السيطرة إلا أنها في الواقع نتيجة للنمو الصفري. أما المستثمرون فلم تعد أمريكا اللاتينية جاذبة لهم، فمعدلات الفائدة المنخفضة لم تعد تشجع المستثمر على الاستثمار في السندات اللاتينية ولم تعد عملتهم جاذبة للمضاربين، وبسبب الفشل السياسي بدأت رؤوس الأموال بالهرب من الأسواق الناشئة بما فيها الاسواق اللاتينية، هذه العوامل جعلت الريال البرازيلي والبيزو المكسيكي يعانيان من انخفاض شديد مقابل الدولار ويتضح ذلك في الرسم البياني:


كما تعاني كل من البرازيل والمكسيك من "كعب أخيل" حيث أن كلاً من شركتي النفط البرازيلية والمكسيكية ينهشهما الفساد وكانتا قد تعرضتا لضربة شديدة من انخفاض أسعار النفط مما انعكس بشكل سلبي على الجدارة الإئتمانية للسلطتين مما تسبب في ضعف العملة ومن ثم ارتفاع مخاطر الأفلاس.

 


إن مخاطر الإفلاس للبرازيل والمكسيك الآن قد وصلت إلى مستويات عالية جدا، بل والان اصبح خطر التخلف عن السداد في المكسيك أعلى من أي وقت كان منذ عام ٢٠٠٨، ويظهر ذلك في الرسم البياني أدناه.

 


هل من الممكن أن توفر أمريكا اللاتينية فرصة استثمارية عظيمة مثل التي كانت قبل عقدين؟

 


من سوء حظ أمريكا اللاتينية انها تُعامل على أنها مشتقة النمو في جميع انحاء العالم فإن أمريكا اللاتينية تحقق نمواً متميزاً في حالات النمو الاقتصادي لها والعكس صحيح، وعندما ننظر لمكرر أرباح ومكرر القيمة التدفترية لمؤشرMSCI لأمريكا اللاتينية سنلاحظ أن الأسعار الآن رخيصة وهي بذات المستوى الذي كانت عليه قبل ٢٠ عام كما هو موضح في الرسم البياني:

 


إن المشكلة الآن تختلف عن ما كانت عليه قبل عقدين، كي تكون الأسواق اللاتينية جاذبة لابد من توفر الحافز لدى المستثمرين، وقد كان الحافز قبل عقدين هو النمو الصيني المتسارع، والقيادة الجديدة الإصلاحية والان قد انقضت عدة سنوات من الفترة الرئاسية للرئيسين المكسيكي والبرازيلي، بينما تتباطئ الصين والمستثمرون يتوقعون فشل الرئيسين في مواجهة جائحة كورونا.

 

لهذا ينبغي على الرئيسين أن يتعاملوا مع جائحة كورونا بشكل أفضل مما هو متوقع منهم ريثما تتحسن الأوضاع الاقتصادية في العالم، مما ينعش أسعار النفط، فإن هنالك كل الأسباب التي تدعوا إلى الامل في أن تتفوق استثمارات أمريكا اللاتينيه ولكن يحتاج ان يعود كل شيئاً أولاً ولكن حتى وإن عادت الأمور كما كانت عليه قبل كورونا فليس من المتوقع أن تكون الفرص بذات الحجم الذي كانت عليه في مطلع الألفية.

 

 

بقلم : John Authers

ترجمة : خالد الربيِّع

تدقيق : نوف العلياني

مراجعة وتحرير : فريق بودكاست نقد

رابط المقال:

https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2020-04-28/coronavirus-brazil-hits-a-wall-and-takes-latin-america-with-it


https://www.mizwad.net/post/brazil-hits-a-wall-and-takes-latin-america-with-it

قراءة 512 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)
موسومة تحت

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)