تُلحق العقوبات الأميركية على نفط فنزويلا ضررًا كبيرًا باقتصاد الأخيرة؛ كونه مصدر دخلها الرئيس، وتواجه البلاد انكماشًا اقتصاديًا هائلًا منذ سنوات بسبب تلك العقوبات.
وأمام هذا الواقع المرير كان من الطبيعي أن تبحث فنزويلا عن أي طريقة تتجنب فيها العقوبات الأميركية قدر المستطاع بالتعاون مع حلفائها حول العالم.
وكان من هذه الطرق لجوء الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم في فنزويلا للتعاون مع روسيا والصين وإندونيسيا وتجار النفط الأوروبيين في إيجاد طرق لتسويق النفط الفنزويلي وبيعه.
ويمثل الحزب الحاكم في فنزويلا مؤسسة متهالكة تحكم بلدًا أصبح عديم الفاعلية في هذه المرحلة، وفقًا لمقال بعنوان "كيف يجد الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا طرقًا للتغلب على عقوبات النفط؟"، للكاتب في شؤون الأسواق لدى مجلة "فوربس"، كينيث رابوزا.
عقوبات "غير صارمة"
يشير المسؤول عن سياسة عقوبات فنزويلا في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إليوت أبرامز، إلى أنه لا يوجد نظام عقوبات صارم، وأن هناك صفقات غير مشروعة يتغير فيها أو يُخفَى اسم المسؤولين المعنيين أو شركة أو سفن الشحن.
ويرجّح كاتب المقال، كينيث رابوزا، أن يؤدي تخفيف عقوبات فنزويلا إلى انخفاض أسعار النفط، ولكن هذا قد يُعَد ضعفًا سياسيًا في واشنطن.
ويقول مؤسس شركة أبحاث الاستثمار العالمية التي تراقب السلع الأساسية "بريتون وودز ريسرتش"، فلاديمير سينيوريلي، إن فنزويلا كانت تصدر ما يصل إلى نصف مليون برميل من النفط يوميًا عندما فرضت العقوبات.
ويضيف أن السماح بعودة فنزويلا إلى سوق النفط سيمثل زيادة بنحو 2.6% في إنتاج الخام اليومي للولايات المتحدة، ولن يمثل سوى عامل تراجع طفيف في الأسعار.طريق إندونيسيا
ذكر الكاتب في شؤون الأسواق لدى مجلة "فوربس"، كينيث رابوزا، أن فنزويلا كانت واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، وأن قلة الاستثمار، وسياسات الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم، أنهكت القطاع، في ظل العقوبات الأميركية.
وأشار إلى أن المستوردين الآسيويين، بالتعاون مع التجار الأوروبيين الذين يحجزون السفن لنقل النفط، يسهمون في إعادة تعافي قطاع النفط الفنزويلي.
واستنادًا إلى بيانات الملكية من عام 2021، التي اطلع عليها كاتب المقال، يبدو أن مصفاة سيلاكاب لتكرير النفط الخام الإندونيسية التي تسيطر عليها شركة "بيرتامينا" المملوكة للدولة، هي الطرف المتلقي للنفط من ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات؛ وتنفي شركة بيرتامينا ذلك.
وأوضح كاتب المقال أن التدقيق في بيانات منفصلة، مأخوذة من بيانات شركة "سي إي آي سي" مفتوحة المصدر، يُظهِر أن واردات النفط الخام، بما في ذلك من فنزويلا، تراجعت عن المستويات المتدنية في عام 2018 عندما كانت العقوبات سارية المفعول.
وأضاف أن تلك الواردات بدأت في الارتفاع في عام 2020 على الرغم من انتشار وباء كورونا "كوفيد-19".
نقل النفط الفنزويلي
أشار الكاتب في شؤون الأسواق لدى مجلة فوربس، كينيث رابوزا، إلى أن نشرة شركة لويدز العالمية للتأمين "لويدز ليست إنتليجنس"، حددت 150 سفينة نقلت النفط الفنزويلي إلى آسيا، بما في ذلك إندونيسيا، في عام 2020.
وأضاف أن تقارير الملكية كشفت فقط عن نحو 10 حالات رست فيها ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات بالقرب من مصفاة بيرتامينا في مضيق ملقا.
وبيّن أن ناقلة النفط الخام الروسية مكسيم غوركي الخاضعة للعقوبات، التي غادرت مؤخرًا ميناء خوسيه في فنزويلا، بالقرب من مصفاة سيلاكاب في المدة من أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى فبراير/شباط 2021.
وتُعد مصفاة سيلاكاب واحدة من 5 مصافي تكرير في إندونيسيا، جميعها مملوكة لشركة بيرتامينا. وقد غادرت ناقلة النفط الخام الروسية مكسيم غوركي مؤخرًا ميناء خوسيه في فنزويلا.وأوضح كاتب المقال أن العديد من السفن الخاضعة للعقوبات رست في مرسى سونغاي لينغي متوسط الحجم في مضيق ملقا، العائد إلى ميناء سونغاي لينغي في ماليزيا، وكان هذا الميناء محطة طريق للخام المتجه إلى الصين لسنوات.
ورست العديد من ناقلات النفط الـ10 الخاضعة للعقوبات في ميناء سونغاي لينغي خلال الأشهر الـ12 الماضية.
ولم يتضح ما إذا كان النفط الفنزويلي على متن تلك السفن قد نُقِل بعد ذلك إلى السفن الإندونيسية أو غيرها من السفن التي فرّغت حمولتها في مصفاة دومال المجاورة التابعة لشركة بيرتامينا.
وألمح المسؤول عن سياسة عقوبات فنزويلا في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إليوت أبرامز، إلى معلومات تفيد بأن ناقلات النفط تتجه إلى الساحل الماليزي، وأن السفن الصغيرة تفرغ حمولتها من النفط وتنقله إلى الصين.
وأوضح أنه يمكن أن يؤدي الطلب من ماليزيا إلى تشديد الرقابة على مياهها الإقليمية.
تجاهل العقوبات
فُرِضت العقوبات الأميركية على فنزويلا بسبب استيلاء الحزب الاشتراكي الموحد على الحكومة، ومنع السياسيين المعارضين -في كثير من الحالات- من تولي مناصبهم، لكن الدول الآسيوية المتعطشة للنفط تتجاهل هذه العقوبات.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخزانة الأميركية تفرض منذ عام 2017 عقوبات على 53 سفينة فنزويلية ضمن عقوبات واشنطن الأوسع ضد الأفراد والشركات، مثل شركة النفط الوطنية الفنزويلية المملوكة للدولة (بتروليوس دي فنزويلا) "بي دي في إس إيه".وتقدّر المصادر المطلعة، ومعظمها من تجار النفط الذين يتواصلون فيما بينهم بشكل غير رسمي، أن ما يقرب من نصف هذه السفن ما زالت تبحر إلى الصين وإندونيسيا وموانئ جنوب شرق آسيا.
وغالبًا ما يُخفى الأصل الفنزويلي للنفط؛ حيث غيرت السفن الفنزويلية أسماءها وأصحابها عدة مرات.
ويعتقد المحللون أن تلك السفن تعطِّل تشغيل نظام التعرف التلقائي على متنها لتجنب التعقب؛ وبعد ذلك يُنقَل النفط من السفن الخاضعة للعقوبات إلى السفن الأخرى في عملية نقل من سفينة إلى أخرى تمر عبر مضيق ملقا بين ماليزيا وإندونيسيا.
ويشير المنتجون المنافسون للخام الفنزويلي في الولايات المتحدة إلى دور وزير الشؤون البحرية والاستثمار الإندونيسي، لوهوت بينسار باندجيتان، في تجاهل شحنات النفط الخاضع للعقوبات؛ لأنه يعود بالنفع على شركة بيرتامينا.
وقال الكاتب في شؤون الأسواق لدى مجلة "فوربس"، كينيث رابوزا، إن الوزير الإندونيسي لوهوت بينسار باندجيتان كان في وقت ما مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بشركة بيرتامينا، استنادًا إلى "وثائق باندورا 2021" المتعلقة بغسيل الأموال في الخارج.
وكان باندجيتان مسؤولًا عن شركة أجنبية قابضة في بنما تسمى "بتروكابيتال"، وكان منخرطًا في أعمال 3 شركات خاصة في قطاع الطاقة مقرها بنما، وكان أحيانًا مسؤولًا تنفيذيًا رئيسًا، بحسب الكاتب في شؤون الأسواق لدى مجلة "فوربس"، كينيث رابوزا.دور الشركات التجارية الأوروبية
قال الكاتب في شؤون الأسواق لدى مجلة "فوربس"، كينيث رابوزا، إن الشركات التجارية الأوروبية أسهمت في حجز سفن متجهة إلى الصين العام الماضي.
وبحسب منصة الخدمة الإخبارية للسلع الأولية "إس آند بي غلوبال بلاتس"، فرضت وزارة الخزانة، في يناير/كانون الثاني 2021، عقوبات على سلسلة من تجار النفط الأوروبيين وناقلات النفط الخام؛ لأن شبكة مكسيكية ساعدت فنزويلا على تجنب العقوبات وشحن النفط إلى الموانئ الآسيوية.
وأضيفت شركتا تجارة النفط "سويس أويل تريدينغ" السويسرية " و"إليمنتو" المالطية، والمواطن الإسباني الفنزويلي فرانسيسكو خافيير داغوستينو كاسادو، والميسر الأساسي المواطن الإيطالي أليساندرو بازوني إلى قائمة العقوبات.
وقالت لجنة العقوبات الأوروبية إن أليساندرو بازوني مثّل صلة الوصل بين شركتيْ "إليمنتو" و"سويس أويل" وشركة النفط الوطنية الفنزويلية (بتروليوس دي فنزويلا) لبيع النفط إلى آسيا.
وتشمل قائمة ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات -بخلاف الناقلة الروسية مكسيم غوركي- ناقلة باليتا التي ترفع علم الكاميرون، وناقلات دوماني وفريدوم وناقلة باليار التي ترفع علم ليبيريا.المصافي الصينية الصغيرة
تتجنب المصافي الصغيرة في الصين العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية والفنزويلية باستخدام أعلام مزيفة، وناقلات قديمة وإيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال، ونقل النفط في وسط المحيط بين السفن لإخفاء مصدر النفط المُصدَّر بطريقة غير مشروعة.
وفقًا لتقرير بلومبيرغ؛ فإن المصافي الصغيرة ذات الأصول والأسواق التي تقتصر إلى حد كبير على الصين وحلفائها قادرة على تجاهل مخاطر العقوبات الأميركية من أجل تكرير النفط الرخيص الثمن.
وقال مؤسس موقع "كور أناليتكس"، الدكتور أنديرس كور، إنه يصعب أن تطول العقوبات هذه المصافي الصغيرة، ودعا إلى أن تمتد العقوبات لتشمل كيانات أكبر يمكن معاقبتها مباشرة.
وبيّن الكاتب في شؤون الأسواق لدى مجلة "فوربس"، كينيث رابوزا، أن الحفاظ على فاعلية الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم في فنزويلا يُعَد أمرًا مهمًا للصين في إيجاد حليف لها في أميركا اللاتينية، وهي منطقة تعد تابعة للولايات المتحدة إلى حد كبير.
وأكد أن حفاظ الصين على ذلك الحزب يعني الحفاظ على شركة النفط الوطنية الفنزويلية (بتروليوس دي فنزويلا) التي تحرض الصين على شراء النفط منها لإمداد الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم في فنزويلا بالمال.
24/01/2022
https://attaqa.net/